يونيو في الهند.. أمطار وخصوبة وهدوء

دليلك إلى الوجهات الموسمية الأجمل

يونيو في الهند.. أمطار وخصوبة وهدوء
TT

يونيو في الهند.. أمطار وخصوبة وهدوء

يونيو في الهند.. أمطار وخصوبة وهدوء

بحلول شهر يونيو (حزيران) تغمر الأمطار الغزيرة الهند لتقدم سحرها الخاص للزوار من خصوبة وافرة وهدوء رومانسي خال من حشود السياح.
الأمطار الغزيرة والمظلات والطرق المسدودة وبرك المياه الموحلة، هل تتبادر تلك الأشياء إلى ذهنك فور التفكير في الأمطار الموسمية للهند؟ حسنًا، فأنت بحاجة إلى تغيير رأيك عن موسم الأمطار المجيد في الهند، فالأمطار الموسمية في الهند هي لحن من النعيم والجمال والراحة من شمس الصيف المحرقة، ويحق بنا الاستمتاع بها.
يُذكر أن قال أحد الزائرين الذي يحمل الجنسية الإنجليزية والعربية وزار أفضل وجهات مواسم الأمطار الموسمية في الهند إن «الأمطار في بريطانيا تُدخل الجميع في حالة بؤس، أما في الهند، فهي ترسم الابتسامة على وجوه البلايين».
ماذا الذي تعنيه الأمطار الموسمية في الهند؟
مما لاشك فيه أن عطلات الأمطار الموسمية في الهند تجربة لا تتكرر في العمر كثيرًا، إذ إن المواقع الخلابة تأسرك بجمالها، فالتلال والجبال يكسوها الأخضر وتتدفق المياه المتلألئة في البحيرات، وتُكون الشلالات مناظر مبهجة تجعلك تقع في حب لا مثيل له مع الهند.
وتشكل السحب كتل عباب هائلة ويكسو الظلام التوراتي المكان مع تساقط الرعد والبرق من السماء. وعندما تنفتح السماء، لا تتساقط الأمطار، بل تنهمر بغزارة لتغرق الأرض بالمياه في دقائق لدرجة تجعلك تظن أن الأسماك ستتقافز منها. كما يمكنك رؤية الناس تتراقص في الشوارع والوجوه متجهة عاليا صوب السماء والأيدي ممدودة في محاكاة منهم لمشاهد انهمار الأمطار في أفلام بوليود. فالأمطار الموسمية تتميز بالرومانسية الخالصة، إذ يرتفع عدد مواليد الأطفال خلال موسم الأمطار أكثر من أي وقت آخر.
وهنا نعرف قراءنا بأفضل الوجهات الموسمية في الهند التي ينبغي التطلع إليها في العطلات المقبلة.
* الأيورفيدا
إن كنت ستزور الهند بمفردك، فلا بد أنك تتحرى شوقًا لتجربة الأيورفيدا لتنظيف الجسد والعلاجات المهدئة، وبالتالي فإن الأمطار هي أفضل وقت للتخلص من الشوائب المتراكمة داخل الجسد. ويقول خبراء الأيورفيدا إن موسم الأمطار هو أفضل وقت للعلاج، حيث يساعد موسم الأمطار في إعادة التوازن داخل الجسم. ولا توجد وجهة أفضل من كيرالا، التي تُعرف باسم «بلد الله نفسه»، وتشتهر بأنها موطن علاج الأيورفيدا، بوصفها أفضل مكان لاختيار العلاجات على الرغم من انتشار المنتجعات الصحية الكثيرة التي توفر ذلك العلاج في جميع أنحاء الهند. وتزدهر زراعة الأعشاب والنباتات الشافية خلال موسم الرياح الموسمية. وكذلك هي المكان الأفضل للحصول على تدليك عام أو لأن تقضي اليوم بالكامل في الخارج وتحصل على علاج بانشكارما (وهو علاج على أيدي المتخصصين من ذوي المهارات العالية) أو علاج سوخا تشيكستا (وهي جلسات علاج متقنة تتم على عدة أيام لتزيل السموم من الجسم وتعيد نشاط الخلايا المتعبة).
* غوا الهادئة
في موسم الذروة، يصير كل شيء في غوا ممتعا، حيث تعج المطاعم بالحفلات الليلية وتمتلئ أوقات ما بعد الظهيرة بالتزلج على الرمال. إلا أنه في موسم الأمطار، تتمثل المتعة في مشاهدة الأمطار تتساقط من وراء شرفتك، وفي البهجة الخالصة وراء عدم فعل أي شيء على الإطلاق. ولتذوق غوا القديمة، الحالمة والغارقة في الاسترخاء، عليك أن تتجه للداخل نحو التلال الخصبة المعطرة بالتوابل، وحيث تجد بعضًا من أفضل فنادق غوا بأسعار مخفضة للغاية للمسافرين في غير أوقات المواسم.
وغوا في مواسم الأمطار الموسمية تعني رحلات طويلة باستخدام الدراجات البخارية مع مواجهة خطر التبلل بغزارة الأمطار، ومشاهدة غروب الشمس بطيخي اللون، والتمتع بالشواطئ غير المأهولة، وكثير من المهرجانات.
وخلال احتفالات ليلة القديس يوحنا في شهر يونيو، يقفز الشباب الصغير مرتدين آكاليل الغار في الآبار.
وفي عيد القديس بطرس، يشيد مجتمع الصيد في غوا مسارح مؤقتة من القوارب والتي تُربط معًا لتشكيل طوافات، وكذلك تُشيد نماذج مصغرة من الكنائس على تلك المنصات العائمة، وتُقام المسارح المحلية من أجل عروض الرقص الفلكلوري والموسيقي على تلك المنصات المائية.
وهذا هو أفضل مكان للاستمتاع بالأمطار، وتحظى ببعض الأطباق المحلية اللذيذة حقًا.
ويذهب البعض في رحلات مشي لمسافات طويلة في شلالات دودساجار، ويزورون حصن أجوادا للتمتع بمناظر متألقة وعروض الدلافين والإبحار عبر البحر الجميل الذي تحده الشواطئ، ويغمرهم الإحساس بالغنى كالمقامر في كازينو.
* المطر الرومانسي في مومباي
سوء الأحوال الجوية في البلاد قد يكون نقمة عند المواطنين من أهل البلد، إلا أنه نعمة ومعجزة عند المسافرين. فقد عزز وجود الزوار من شبه الجزيرة العربية السياحة الموسمية في مومباي، إذ يأتون إليها هاربين من بلادهم القاحلة للاستمتاع ببهجة الأمطار الغزيرة في الهند.
ولا شك أن المدينة تغرقها السيول عدة مرات خلال موسم الأمطار، إلا أنه في مومباي (بومباي)، كما يقول صاحب فندق أنيل تيواري: «جميع الفنادق التي تطل على بحر العرب في مومباي، يملأها السياح العرب الذين يريدون رؤية سحر المطر».
وتحيل الأمطار المدينة بأكملها إلى ساحة مبللة، ويتملك الناس هوس الأمطار الموسمية ويتدفقون إلى المتنزهات المجاورة للبحر لمشاهدة الأمواج الهائلة التي يبلغ ارتفاعها 10 أمتار، وهي ترتطم بالجدران البحرية وتغمرها بالمياه.
وثمة طريقة أكثر هدوءًا للاستمتاع بمومباي في موسم الأمطار عن طريق الاستلهام من بوليود، حيث تمتلئ الأفلام بلقطات رومانسية من الرياح الموسمية في الهند لدرجة أن صارت الصورة الأيقونية للمطر في البلاد.
وبإمكانك أن تحتمي بمظلة سمراء قوية مثل راج كابور ونرجس بفيلم «شري 420» وتتمشى في «متنزه درايف مارين» و«ورلي سي فيس»، وتحتسي أقداح الشاي الساخنة وتبتاع الفول السوداني المحمص أو الذرة المشوية على قطع الخبز مع الليمون من الباعة على جانب الطريق.
وكذلك يمكنك أن تقضي فترة ما بعد الظهيرة بخمول في صالة تاج محل مع كوب كبير من الشاي. فذلك هو أفضل مكان لمشاهدة المحيط العربي الذي ترتطم به الأمطار والقوارب الراسية عند بوابة ميناء الهند، بالإضافة إلى رؤية نخبة المجتمع الهندي.
* التنوع البيولوجي في غاتس الغربية
اتجه صوب غاتس الغربية حيث يُعتبر موسم الأمطار من أفضل الأوقات للتمتع بجمال هذه التلال المتموجة.
وتُعد سلسلة جبال غاتس الغربية محطة جذب رئيسية في الهند مع تلالها العالية ووديانها العميقة والمراعي الجبلية بها والغابات الكثيفة الممطرة.
مع العلم أن الجبال المهيبة في غاتس الغربية، التي تمتد على مسافة 1600 كلم، هي واحدة من أهم النقاط الساخنة الثمانية للتنوع البيولوجي في العالم. إذ إن غاتس الغربية تندرج ضمن قائمة مواقع التراث العالمي في الهند التي حددتها منظمة اليونيسكو وهي جنة لشتى أنواع النباتات والحيوانات. كما تحتوي ولاية غاتس الغربية على كثير من البحيرات الطبيعية والشلالات المائية.
وجدير بالذكر أن العلماء اكتشفوا مؤخرًا نوعا من الضفادع هناك يعود تاريخ وجودها إلى ما قبل وجود الديناصورات.
* العروض الملكية للأمطار الموسمية
يتجلى افتنان ملوك الهند بالأمطار الموسمية بوضوح في كثير من القصور الخاصة التي بُنيت لتسليط الضوء على روعة الطقس. أودايبور التي تُعرف أيضًا بـ«بندقية الشرق» وتقع بولاية «راجاستان» الهندية الصوفية تعكس حقًا ماضيا مجيدا للأمراء الهنود مع عدد لا حصر له من القصور والبازارات والبحيرات الجميلة. وليس ثمة فرصة واحدة لا تخلف لديك الانطباع بالشعور الملكي. ففي خلال مواسم الأمطار الموسمية ينتعش ذلك المكان بلمسة من الساحات الخضراء حول البحيرات القديمة والقصور لتغمرك المناظر الأخاذة.
كما يمكنك أن تسير على خطى الملوك في قصر تاج بالاس المطل على بحيرة أودايبور في ولاية راجاستان، كما يمكنك أن تتعرف عليه من خلال فيلم «الأخطبوطي» لجيمس بوند. وقد بُني ذلك القصر في القرن الـ17 ويحظى الآن بمكانة عالية. وخلال مواسم الأمطار الموسمية في الهند، تتوافر العروض الخاصة التي تنخفض بها الأسعار إلى النصف تقريبًا.
* فرنسا في الهند
بودتشيري (بونديشيري سابقًا) كانت مستعمرة فرنسية في السابق وتغمرها الأمطار المتقطعة.
تسحرك المدينة بجمالها عتيق الطراز من الفيلات الملونة بلون الخردل الأصفر والمنازل الاستعمارية العتيقة والشوارع المرصوفة بالحجارة ووفرة المقاهي والحانات على طول الواجهة البحرية. وتضفي عليها شهور الأمطار الرطبة لمسة من الرومانسية وتخلق أجواء رائعة مما يجعل المدينة وجهة سفر جديرة بالزيارة في الهند أثناء مواسم الأمطار. وجدير بالذكر أن الأمطار لا تتساقط بصفة مستمرة هنا، بحيث يمكنك الاستمتاع بالشمس.
ويمكنك بدء اليوم بجوار البحر مع كرواسون وقهوة صباحية، ثم تأخذ عبارة إلى شاطئ بارادايز (الجنة) وتزور أوروفيل التي يبلغ عدد سكانها 50.000 نسمة التي تنحدر أصولهم من أكثر من 45 بلدًا، وتستأجر دراجة هوائية من حديقة «بارك جيست هاوس» وتستكشف المكان، الذي يعد بمثابة ريفيرا فرنسية أكثر منه مدينة كبيرة.
* أمطار موسمية في كوب من الشاي
موسم الأمطار الموسمية مناسب لحصد الشاي في مزارع دارجلينغ، إذ تبدو التلال ناضرة وخضراء.
يمكنك في الصباح الباكر، عندما يغطي الضباب دارجلينغ ليعطيها لمسة جميلة غامضة، أن تأخذ جولة لتذوق الشاي وترى كيف يختلف طعمه من تل إلى تل.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».