بعد مسيرة حافلة لسنوات طويلة مع المنتخب الإسباني لكرة القدم، يستعد المدرب فيسنتي دل بوسكي إلى ما وصفه بأنه «الكيلومتر الأخير» له مع الفريق في إشارة إلى بطولة كأس الأمم الأوروبية المقبلة (يورو 2016) بفرنسا.
وفرض دل بوسكي نفسه بوصفه أنجح مدرب في تاريخ المنتخب الإسباني، ويسعى إلى ختام رائع ومناسب لمسيرته الرائعة مع الفريق، التي بدأت في أعقاب فوز الماتادور الإسباني بلقب «يورو 2008» تحت قيادة المدرب الراحل لويس أراغونيس.
واتسمت مسيرة دل بوسكي مع الماتادور الإسباني بالنتائج الرائعة في كثير من الأحيان، والمتوسطة أو المتواضعة في أحيان قليلة، ولم يلطخها سوى الخروج المبكر والمهين للفريق من الدور الأول لبطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل.
ولم يؤكد دل بوسكي، 65 عاما، رسميا وبوضوح تركه تدريب المنتخب الإسباني بعد يورو 2016. ولكنه يرغب على أي حال في تحقيق رقم قياسي جديد قبل الرحيل عن منصبه.
ومن المؤكد أن أفضل رقم قياسي يمكن تحقيقه مع الفريق في يورو 2016 هو قيادة الماتادور الإسباني للتتويج بلقب البطولة للنسخة الثالثة على التوالي.
وقال دل بوسكي مؤخرا: «نحن هنا منذ ثماني سنوات. وكما أشار الراحل لويس مولوني (اللاعب والمدرب السابق لريال مدريد الإسباني)، تحتاج إلى تقليب التربة (التغيير) من آن لآخر».
وعندما يرحل دل بوسكي عن تدريب الفريق، سيترك خلفه إرثا هائلا مع المنتخب الإسباني. ولا يقتصر حصاد دل بوسكي مع الفريق على لقبي كأس العالم 2010 ويورو 2012 وإنما يمتد إلى أسلوب اللعب الذي صبغ به أداء الفريق والذي يثير إعجاب الجميع.
والأكثر من هذا، يحظى دل بوسكي بحب وتقدير لاعبيه، خصوصا أنه جلب الهدوء إلى هذا الفريق الذي اعتاد في الماضي على ضجيج الجدل والصراعات.
وقال دل بوسكي، في مقابلة مع «يوروسبورت»: «عندما اعتزلت اللعب، لم أفكر أبدا في أنني سأكرس جهودي للكرة الاحترافية. اعتقدت أنني سأتولى تدريب فريق للشباب، ولكنني توليت تدريب الفريق الأول لريال مدريد في 1999 لتتغير أفكاري. نحظى بحظ هائل لأن لدينا مجموعة من اللاعبين الاستثنائيين في كل من ريال مدريد والمنتخب الإسباني».
وبدأ دل بوسكي العمل مديرا فنيا في وقت متأخر حيث اعتزل اللعب في 1984 بنادي ريال مدريد. وبعد تجارب تدريبية قليلة ومتفرقة، تولى دل بوسكي عدة مناصب في الريال، منها مهام تدريبية خاصة بتنمية وتطوير مستوى اللاعبين الشبان.
وفي 1999، جاءت الفرصة غير المتوقعة لدل بوسكي عندما قرر الريال إقالة المدرب الويلزي جون توشاك ووضع ثقته في دل بوسكي حيث أسند إليه مهمة إنقاذ الفريق من أزمته.
ولم يتمكن دل بوسكي فقط من إعادة الريال لمساره الصحيح ولكنه قاد الفريق أيضا في نهاية الموسم إلى التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا رغم القصور الواضح في جوانب كثيرة فيما يخص إمكانيات الفريق.
وكانت هذه بداية لسنوات كثيرة تالية اتسمت بالنجاح في مسيرة دل بوسكي التدريبية، حيث قاد الفريق مجددا للقب آخر في دوري الأبطال بخلاف الفوز مع الفريق بلقبين في الدوري الإسباني ولقب واحد في كأس إنتركونتيننتال وألقاب أخرى.
ورغم هذا، لم يتردد فلورنتينو بيريز رئيس النادي في إقالته بنهاية موسم 2002 - 2003 عقب فوز الفريق بلقب الدوري الإسباني. وفاجأ بيريز المدرب ومعظم مشجعي النادي الملكي عندما استدعى دل بوسكي إلى مكتبه وأقاله.
وحصل دل بوسكي على راحة لمدة عام قبل استئناف مسيرته التدريبية بفترة قصيرة وافتقدت النجاح مع فريق بشكتاش التركي.
وفي 2008، حصل دل بوسكي على فرصة جديدة عندما قرر أراغونيس الرحيل عن تدريب الماتادور الإسباني بعد الفوز بلقب يورو 2008، وهو اللقب الأوروبي الثاني في تاريخ الفريق ليلجأ الاتحاد إلى تعيين دل بوسكي خلفا له وتكليفه بمهمة مواصلة نجاح الفريق.
وقال دل بوسكي لدى توقيع العقد آنذاك: «لا نريد إفساد الأشياء التي تسير على نحو جيد وهناك كثير منها. سنضيف أشياء منا إليها ونضيف رؤيتنا الشخصية. ولكننا سنكمل ما يسير جيدا من الأمور. هناك أشياء كثيرة جيدة نريدها» في إشارة إلى عدم تغيير أسلوب عمل أراغونيس وإنما سيضيف إليه الجهاز الجديد.
وكان دل بوسكي صادقا وحريصا على اتباع مبادئه والالتزام بالتواضع المعروف عنه ليقود المنتخب الإسباني بمرور الوقت إلى مزيد من الإنجازات العظيمة. وقدم دل بوسكي ما وصفه بتعديلات طفيفة على أسلوب لعب الفريق الذي قدمه أراغونيس، الذي يعتمد على اللعب من لمسة واحدة.
وحظي المنتخب الإسباني بالإعجاب بهذه الطريقة في اللعب والتي أثارت قلق المنافسين بدرجة إعجابهم نفسها، حيث اتسم بأنه فريق متماسك يعتمد كثيرا على الاستحواذ الهائل على الكرة ويضم لاعبين ذوي كاريزما رائعة، مثل حارس المرمى إيكر كاسياس والمدافعين سيرخيو راموس وكارلوس بويول ولاعبي الوسط سيرخيو بوسكيتس وتشابي ألونسو وتشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا والمهاجم ديفيد فيا.
وفي 2010، أصبح دل بوسكي أول مدرب يقود إسبانيا للقب كأس العالم حيث توج باللقب في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا بعد الفوز على المنتخب الهولندي في النهائي بهدف أسطوري لأندريس إنييستا قبل ثلاث دقائق فقط من نهاية الوقت الإضافي للقاء.
وقال دل بوسكي: «لا نريد النظر للماضي» في محاولة منه للحفاظ على تركيز لاعبيه في المنافسة. وحافظ الفريق على نجاحه مجددا وتوج بلقب يورو 2012 في بولندا وأوكرانيا بالفوز الكبير 4 - صفر على المنتخب الإيطالي (الأزوري) في النهائي.
وذكرت صحيفة «إل بايس» الإسبانية: «استعراض للخلود». واعترف دل بوسكي نفسه: «قد يكون هذا هو أفضل شيء فعلناه في كل هذه السنوات». وقاد دل بوسكي المنتخب الإسباني لتقديم أداء متكامل، حيث كان من الصعب التكهن بما يمكن أن يقدمه الفريق داخل الملعب فيما يتعامل بشكل ودود وهادئ مع الجميع خارج الملعب. ونجح دل بوسكي في بث الانسجام بين لاعبي الفريق. ورغم هذا، لا يستمر شيء في مجال الرياضة سوى الذكريات. وانحرف المنتخب الإسباني عن طريق الانتصارات بشكل صادم حيث ودع مونديال 2014 بالبرازيل من الدور الأول.
وحجز منتخبا هولندا وتشيلي بطاقتي التأهل من مجموعة الماتادور الإسباني إلى دور الستة عشر حيث خاب أمل معظم التوقعات في المنتخب الإسباني واعتبر كثيرون هذه البطولة بمثابة «نهاية عهد» بالنسبة للفريق.
وشن قطاع من الإعلام الإسباني موجة انتقادات وضغوط هائلة على الفريق ولكن الاتحاد الإسباني لم يجد سببا لإقالة دل بوسكي.
وقرر دل بوسكي الاستمرار عامين آخرين مع الفريق حتى يخوض معه يورو 2016.
وخلال تلك الفترة، تضاعفت الضغوط على دل بوسكي ولكنه تقبلها بطبيعته الهادئة المعتادة. وبعد بداية مترددة، نجح دل بوسكي في تقويم الفريق والوصول بنجاح إلى يورو 2016 بفرنسا.
والآن، يأمل دل بوسكي في إشعال إثارة وحماس المشجعين الإسبان تجاه فريقهم حيث يقترب المدرب الكبير من «الكيلومتر الأخير» ويأمل في استعادة نجاحه مع الفريق قبل الرحيل عن تدريبه. وحتى الآن، يبدو شيء واحد مؤكد وهو أن دل بوسكي سيترك تدريب الفريق في هدوء.
دل بوسكي يتأهب لـ «الكيلومتر الأخير» في مسيرة نجاحه
فرض نفسه بوصفه أنجح مدرب في تاريخ المنتخب الإسباني ويسعى إلى ختام رائع بلقب في «يورو 2016»
دل بوسكي يتأهب لـ «الكيلومتر الأخير» في مسيرة نجاحه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة