باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

الغرب يستيقظ على خطر «داعش»؟

الكتب الصادرة في الغرب عن «داعش»، منذ احتلالها لقسم من أراضي سوريا والعراق، باتت تعد بالعشرات، أما المقالات والدراسات عن التنظيمات الإسلاموية المتطرفة الموصوفة بالإرهابية، فلا تحصى، وباتت تشكل الموضوع الرئيسي في وسائل الإعلام، كأنما الغرب استيقظ فجأة على خطر يهدده في أمنه وسلامته، بل وفي حضارته وقيمه، لم يتردد البعض في مقارنته بالخطرين النازي – الفاشستي، والشيوعي اللذين هزا أركان أوروبا والغرب في القرن العشرين.
من هنا، يمكن القول إن «الحرب على الإرهاب» بدأت تتحول في الغرب إلى هاجس يتجاوز الأمن والسلامة، إلى ما لم يتردد بعض الباحثين في اتهام «داعش» والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة به، وهو العمل على تهديم الحضارة الغربية وكل الحضارات الأخرى، و«أسلمة» العالم، والعودة به إلى حضارة تختلف عن الحضارة المادية المركنتيلية الليبرالية التي فرضها الغرب على العالم من جراء تفوقه العسكري الاقتصادي التكنولوجي.
تلك هي القناعة التي توصلت إليها بعض مراكز الدراسات الغربية، وباتت الأحزاب اليمينية الغربية تستغلها لكسب أصوات المواطنين في الانتخابات، سواء في الولايات المتحدة (ترامب) أم في النمسا وأكثر من بلد إسكندنافي عرف بحياده وإنسانيته. ولم يعد مستبعدًا أن يصل إلى الحكم في واشنطن وعدة دول أوروبية أحزاب ورؤساء يمينيون، أو أن تتحول الحرب على الإرهاب إلى حرب حضارات عالمية، تبدأ باردة وتتحول تدريجيا إلى حرب عالمية ثالثة.
السؤال المطروح، اليوم أو في الغد القريب، هو: هل يمكن تلافي انسياق العالم نحو هذه المواجهة الساخنة؟ كيف؟ ومن أين يبدأ العمل الجدي لتلافي ذلك؟ هل بالقضاء عسكريًا على «داعش» وأمثالها من التنظيمات المتطرفة الإرهابية تحل المشكلة؟ أو يخفف من حدتها وتفاقمها؟ وأين هي النافذة التي يمكن من خلالها اختراق هذه الحلقة المفرغة من العنف والتطرف؟ هل هي في سوريا؟ أم في العراق؟ أم في إعادة رسم خريطة دول الشرق الأوسط؟ أم في تأجيج تناقضات طائفية ومذهبية وعرقية تفتت المجتمعات القومية، وتضعف الولاءات الوطنية، أو تعطل انجذاب فئة من الشبان المهمشين إلى العنف الثوري؟
لقد كان الشرق الأوسط، منذ القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، ملعبًا لمصالح الدول الأوروبية المستعمرة، وفي طليعتها بريطانيا وفرنسا، ثم ورثت الولايات المتحدة هذا الدور، وخاضت أكثر من حرب حاسمة في مصير أكثر من شعب عربي. كما أن روسيا كانت لها كلمتها في هذه المنطقة من العالم، في عهد الشيوعية والعهد الجديد، حين باتت تقاتل في سوريا إلى جانب النظام الحاكم. إنما الشيء الجديد الذي «خربط» الحسابات، فكان التراجع الأميركي الذي أوصل الأوضاع التي فجّرها «الربيع العربي» إلى ما وصلت إليه اليوم، أي إلى تعقيد يعجز كبار المتقاتلين والمتدخلين وصغارهم عن تفكيكه وحسمه.
من المسلّم به الآن صعوبة، بل شبه استحالة، حسم الصراعات الناشبة في سوريا والعراق وليبيا في الأشهر الستة الباقية للرئيس أوباما في البيت الأبيض. أما إذا وصل ترامب إلى الرئاسة، فإن الأمور قد تتخذ مجرى خطيرًا جدًا.
في كتاب أخير له، يقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلاموية المتطرفة «سكوت أتران»: «إن تنظيم داعش هو ثورة بكل معنى الكلمة، وعلينا نحن في الغرب أن نعي ذلك، وأن الحرب على الإرهاب لن تحسم عسكريًا، بل لا بد من أن ندرك كل العوامل والأسباب والدوافع التي انطلقت منها هذه الموجة من التطرف المعلن الحرب على الأنظمة العربية والإسلامية الراهنة، وعلى الغرب، والمنادي بتغيير العالم بعد السيطرة عليه».
قد يكون هذا الباحث، وغيره من الباحثين الغربيين، مبالغين في تصويرهم لطموحات تنظيم «داعش»، ولكنهم ليسوا بعيدين كثيرًا عن الواقع. أما كيف سيرد الغرب على هذا التحدي الجديد له ولقيمه فموضوع آخر، قد يشكل السلاح والقتال جانبًا منه، إنما هناك أكثر من جانب آخر لا يجوز إهماله، ونقصد القضية الفلسطينية، ومشروع الثورة الإيرانية، وفشل بعض الأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي.
ولكن، وفي مطلق الأحوال، فإن ما سمي بـ«الربيع العربي» الذي صفق له كثيرون - وفي الغرب تخصيصًا - قد أوصل الشرق الأوسط إلى هذه الحالة من الاضطراب والفوضى والتقاتل، التي يعجز أي مسؤول أو باحث عن تبصر مآلها، وإن اتفقوا على أنها باتت تشكل خطرًا على أمن الجميع وسلامتهم.