تحت عنوان «حديقة العطور» افتتح معرض «الحدائق ومهرجان الربيع 2016»، فعبقت بيروت برائحة الزهور والورود التي غطت أقسامه. ومما زاد من أهميته هذا العام أنه صار حدثا تقليديا ينتظره اللبنانيون في موعده من كل سنة، احتفال ميدان سباق الخيل (مستضيف المعرض)، في الذكرى المائة على تأسيس «بارك بيروت» أحد أقدم حدائق العاصمة.
وفي نسخته الثالثة عشرة، اتخذ المعرض من زهرة الفل عنوانا لحملته الوطنية لإعادة إحياء زمن هذه النبتة العطرة؛ فهي زهرة عاشت ذروتها على شرفات وحدائق بيوت أهل بيروت في الستينات والسبعينات، ثم ما لبثت أن صارت نادرة الوجود بعد أن تم إهمال زراعتها.
فبالتعاون مع وزارة الزراعة، صاحبة الفكرة، تم توزيع شتل الفل (زهرة عطرة بيضاء) على زوار المعرض مجانا، الذين حملوها وهم يرددون عبارة «مساء الفل» تلك العبارة الشهيرة بأهل بيروت على مر الزمن، فكانوا يستخدمونها في إلقاء التحية على بعضهم بعضا مساء وصباحا، فيفتتحون أو يختتمون يومهم بها؛ لأنها تدفعهم إلى التفاؤل بالخير.
ومع «الفل» ينطلق مشوارك في هذا المعرض الذي يضم أكثر من 220 شركة عارضة، تختص بتعزيز المساحات الخارجية من خلال أفكار مختلفة.
فن البستنة وتنسيق الزهور وتشجير الحدائق وتزيين المساحات الخارجية، إضافة إلى المنتجات اللبنانية الأصيلة من مونة وأطباق طعام، ووصولا إلى تعلّم الزراعة بأساليب حديثة، هي الموضوعات الغالبة على أكشاك العرض الموزعة في مهرجان الزهور. وجديده هذا العام هو مشاركة طلاب كلية الزراعة من جامعات مختلفة (الجامعة الأميركية واللبنانية والكسليك)، الذين توزعوا على أكشاك خاصة بهم يشرحون لزوار المعرض كيفية الاستفادة من باحة خارجية، ولو لم تتجاوز مساحتها العشرين مترا، أو كيفية صناعة السماد الزراعي يدويا في المنزل لتغذية الشتل والنباتات التي يقتنونها في بيوتهم. كما يتضمن برنامج نشاطاته التي تستمر حتى الغد، إطلاق عرض أزياء خاص بالمصمم اللبناني ربيع كيروز، وتحضير أطباق طعام مباشرة على أرض الحدث من قبل طهاة معروفين (جو برزا وشارل عازار وبيار أبي هإيلا) وغيرهم، يعود ريعها للمطاعم الخيرية «restaurants du Coeur» التي تعنى بالفقراء.
ويشمل المعرض أيضا قرية خاصة بالأطفال، حيث يمكنهم تمضية وقت مسل وممتع في الهواء الطلق، بواسطة ألعاب مطاطية وأخرى تقليدية شعبية (المرجوحة ويا طالعة يا نازلة)، إضافة إلى تعلمهم كيفية تصنيع الصابون والعطور في مبادرة من منظمي المعرض؛ لحثّهم على الابتكار والاطلاع على منتجات لبنان العريقة.
ومن بين أكشاك «ترافل ليبانون» لتشجيع السياحة الداخلية وركن «taste Lebanon» الذي يقدّم لرواده ألذ الأطباق وأشهاها، ومنتجات «سوق الطيّب» من مختلف المناطق اللبنانية، يتجول الزائر في ممرات المعرض تارة وليستريح بين أحضانه تارة أخرى، مرتشفا كوب ليموناضة من البترون، أو «كعكة عصرونية» و«منقوشة بالكشك»، أو مدخنا النرجيلة بعد وجبة طعام لذيذة تناولها في أحد المطاعم المشاركة في الحدث. وفي استطاعة الزائر بعدها أن يكمل نزهته بين مساحات الورود المزروعة هنا وهناك، ملقيا نظرة على مهن في طريقها إلى الاندثار يعيدها «مهرجان الربيع 2016» إلى الحياة، من خلال عمال يدويين يحترفونها. فهنا يقوم صانع الفخّار طوني الفاخوري من بلدة الناعمة بقولبة إبريق، وهناك ينفخ أحمد في إناء زهور زجاجي، فيما يقوم إسماعيل المنتسب لجمعية المكفوفين في لبنان في إنهاء عملية «التقشيش» لكرسي من الخيزران. «هي مهن في طريقها إلى الزوال، خصوصا أن البضاعة التي تكتسح لبنان حاليا منشأها الصين وتبلغ كلفتها أقل بكثير من الأشغال اليدوية المحلية»، يخبر إسماعيل «الشرق الأوسط»، معبرا عن استيائه لعدم تشجيع هذه المهنة (استخدام القشّ) في لبنان.
أما وسيم، صانع بيوت الطيور الخشبية تحت عنوان «سوق الحمام»، فهو يأتي سنويا من منطقة البقاع للمشاركة في هذا المعرض وليعرّف رواده على أهمية سكن الطير في بيت خشبي يحمسه على التغريد من ناحية، ويكون بمثابة قطعة ديكور جميلة تزين الشرفة أو الحديقة من ناحية ثانية.
وعلى جانب آخر من المعرض، يطالعك جناح الأثاث الخاص بشرفات المنازل والحدائق. وفيه محال تختص ببيع الأراجيح بأسعار مخفضة للمناسبة، وأخرى تعرض الكنبات التي تتحمل حرارة الطقس المرتفعة والرطوبة في الهواء الطلق والمصنوعة من القصب الأصلي. أما محال «باندورا» فقد أخذت على عاتقها الترويج لأدوات مطبخ قديمة (خزانات وطاولات خشبية)، أو كراس من نوع «شيز موريس»، لديها محبوها ممن هم شغوفون بصناعتها القديمة، فيبحثون عنها لاقتنائها مهما بلغ ثمنها (تفوق الـ600 دولار أحيانا)، كما يقول لنا صاحب المحل سمير عياش.
ومن بين أقسام المعرض، تلك الخاصة بالاعتناء بشتل الصبار. «هي من أجمل الأشجار وأعرقها، ويمكنها أن تعيش مئات السنين فيما لو تم الاعتناء بها كما يجب». يقول سامي الرفاعي، المشارك في المعرض؛ كونه يمتلك خامس أكبر مجموعة أشجار صبار في العالم. واسأله: ولكنها مليئة بالأشواك؟.. يرد: «هي تشبه المرأة إلى حد كبير؛ إذ عليك أن تتعرفي إليها عن كثب؛ حتى يسهل عليك التعامل معها». وكما الصبار فأشجار النخيل لديها خصوصية في طريقة زراعتها؛ ولذلك تطل عليك بأحجام عملاقة يفوق طولها خمسة أمتار، ويؤكد المهندس الزراعي أسامة، بأنها من أجمل الأشجار وأشهرها في منطقتنا، وأن بعضها يصل طوله إلى 25 مترا، ومنها ما يعرف بالنخيل القزم (صغير الحجم)، والنخيل الذي يعيش في جبال الألب ويعرف باسم «اكسلسا». حتى عالم التجميل كان له حضوره في معرض «الحدائق ومهرجان الربيع 2016» الذي تتشارك في تنظيمه كل من شركتي (هوسبيتاليتي سرفيسيس) و(شومان كومباني). فخبيرة التجميل ديلارا، تنتظرك على أحد الأكشاك لتنصح السيدات باللجوء إلى نبتة الحنة، سواء من خلال وضع خليط البودرة المصنوعة منها على الشعر لتغذيته، أو من خلال استعمالها في رسومات تزين اليدين أحيانا، أو توشم على أماكن من الجسم أحيانا أخرى.
تخرج من معرض «الحدائق ومهرجان ربيع 2016» كما دخلته تماما بواسطة عربات نقل (شاتل)، تم تسييرها خصيصا لتسهيل عملية التنقل ما بين مواقف السيارات ومكان العرض. وبأفكار ملونة بزهور الربيع وبمعلومات غنية عن تربة الوطن وخصائصها، تغادر المعرض مبتسما، وأنت تحمل منه هدية عزيزة إلى قلبك، ألا وهي شتلة الفل، فتحرك في أعماقك ذلك الشعور بالحنين إلى بيروت الياسمين وأيام الخير والترامواي وساحة البرج، والتي عرفناها في خيالنا من خلال حكايات قصها علينا أهلنا في الماضي القريب.
بيروت تعبق برائحة زهور معرض «الحدائق ومهرجان الربيع 2016»
يستضيفه «بارك بيروت» في الذكرى الـ100 لتأسيسه
بيروت تعبق برائحة زهور معرض «الحدائق ومهرجان الربيع 2016»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة