مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

براءة ذمة

تعودت على الصدق والصراحة وعدم التردد بقول الحقيقة، سواء على نفسي أو حتى على من «ائتمنني على سره»، لهذا قل أصحابي وكثر أعدائي، ولكن ماذا أفعل وربي هو الذي فطرني على هذا؟!
ولكي أثبت لكم مدى تمسكي بأهداب الأخلاق العالية الحميدة، سوف أروي لكم ذلك الموقف الذي كنت شاهدًا عليه مع (رفيق سوء)، وكيف أنني لم أسكت عليه أبدًا، والدلالة على ذلك أنني أحكيه لكم الآن:
فقد كنت واقفًا معه في صف طويل لنقطع تذكرتين لمشاهدة فيلم سينمائي، وكان المكان شارعًا معتمًا من شدة الضباب، وأمامنا شاب وبجانبه امرأة تلبس بنطلون جينز، ولا أدري إلى الآن هل هي زوجته أم رفيقته، ولفت نظري أن الرجل بين الحين والآخر كان يربت ويطبطب على ظهرها، وتنبه رفيقي (الملقوف) لانزعاجي وامتعاضي من هذه الحركات، فما كان منه بعد أن لاحظ أن صاحب تلك المرأة قد رفع يده إلى كتفها، إلا أن أخذ هو يربت ويطبطب على ظهر تلك المرأة، التي لم تُبدِ أي انزعاج معتقدة المسكينة أن صاحبها هو الذي يفعل ذلك، بل إنها أخذت تزداد تغنجًا وحركة، ومن حسن حظ رفيقي السخيف هذا أنه سحب يده بلحظة قبل أن تلامس يد الرجل الذي أنزلها مرة أخرى ليستأنف دوره.
وعندما شاهدت ما فعله رفيقي استشطت غضبًا، وخرجت من الصف مبتعدًا، وأنا أشتم وألعن، فلحق بي قائلاً: لماذا غضبت من فعلي؟! إنني ما فعلت ذلك إلا لكي أثبت لك أن هؤلاء القوم إنما هم مثل الحيوانات لا يستحون.
قلت له: احلف. قال: والله العظيم. قلت له: عدني أنك لن تفعلها مرة ثانية. قال: والله العظيم أعدك. وأخذ برأسي يريد أن يقبله علامة الاعتذار، فصددته عني.
واضطررنا أن نرجع للصف الطويل، ولكن من آخره، وإذا بالصدفة يا سبحان الله تجعلنا نقف خلف امرأة قصيرة تلبس بنطلونًا محزقًا، ووزنها لا يقل عن مائة كيلوغرام.
عندها أصابني رعب حقيقي، وخفت مما لا تحمد عقباه من ردة فعل رفيقي، والتفت هو لا شعوريًا نحوي، وإذا بنظراته الخبيثة تلتقي مع نظراتي، وانفجرنا بضحك متواصل، وخرجنا من الصف للمرة الثانية، وتركنا مشاهدة الفيلم.
ولكي تتأكدوا من أخلاقي التي ما زلت أفخر بها، فإنني آليت على نفسي أن أقطع صلتي نهائيًا بذلك المستهتر البذيء، وفعلاً قطعتها بعد أربعة أعوام - أي في السنة التي توفي فيها (رحمه الله) - والله يعينه على يوم الحساب (وذنبه على جنبه)، المهم إنني أخيرًا قد برأت ضميري.