سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

هيروشيما

عندما انتهت الحرب العالمية الثانية كان السوفيات قد اقتحموا برلين، بعدما دمّر لهم الألمان ستالينغراد. وكان الفرنسيون جزءًا من قوة رباعية تحتل ألمانيا بعدما احتل النازيون باريس. وكان الألمان قد تركوا أكثر من 3 ملايين قتيل في بولندا. وكان الأميركيون قد قصفوا هيروشيما وناغازاكي بالذرّة. وكان اليابانيون قد دمّروا بيرل هاربور وأسروا آلاف الأميركيين. وكان البريطانيون قد دمّروا مدينة درسدن الألمانية ردًا على غارات هتلر على لندن ومدن بريطانيا الأخرى.
بعد نهاية الحربين الأولى والثانية، اكتشف الغرب والشرق، الرأسمالية والشيوعية، النازية والاشتراكية، أن الثأر عملية عبثية لا نهاية لها. الموت يجرّ الموت، والقتل يولّد الخراب والأحزان والمجاعات والأطراف المقطوعة. لذلك، اتخذت اليابان قرارًا لا يتخذه الضعفاء، ولا المهزومون، وأصبحت حليفة أميركا الأولى. وأصبحت فرنسا شريكة ألمانيا الأولى. وأصبح الجوار الألماني - البولندي حدودًا مفتوحة على أكبر شراكة اقتصادية. والصين التي كانت ألد أعداء أميركا، أصبحت أكبر ألد أصدقائها.
تخيّل لو أن بلدان العالم ظلّت بعد الحرب تحمل جروحها وأحقادها وثاراتها. تصور ما كانت عليه هذه الأرض اليوم لو أن أوروبا وأميركا وآسيا لم تنسَ. تصور لو أن المكسيك لا تزال تتذكر أن إسبانيا قتلت منها خمسة ملايين بشري. تصور لو أن الأفرو - أميركيين لم يغفروا ذكريات العبودية.
لن يبدأ التاريخ العربي من جديد إلا إذا حدثت المصالحة. ثاراتنا أصغر بكثير مما حدث لهذا العالم، وأبعد بكثير في الزمان. يجب أن نُسلّم أمورنا للذين يبشرون بالصفح والمصالحة والمستقبل، وليعش أهل الماضي في ماضيهم. أما المستقبل، فلا يقوم على الحقد والمكاره والتولّه بالعدم وحضارة التقطيع، وجعل الجحيم الأرضي دربًا وحيدًا إلى الجنة.
في يوم واحد عادت ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية. حولت جرائم الكره إلى متحف مقيت، لكي لا ينسى الناس عبث الظلم والظلام. وعاد الألمان عائلة واحدة، وعملاً واحدًا، ويدًا واحدة، تشكّل أهم دولة في أوروبا. ولا شك أنه لا يزال هناك من يكتب اعتراضاته على الجدران. الجنون أيضًا لا يفنى، لكنه يدخل إلى مصح.