نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

تفاهم فتح وحماس

قدمت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، تقريرًا عن أعمالها ظهر فيه أن عدد الناخبين الفلسطينيين في الانتخابات العامة تخطى حاجز المليوني ناخب، ذلك بعد تجديد السجلات الانتخابية.
وفي نفس الوقت، تجري انتخابات مجالس الطلبة التي تتنافس فيها الفصائل، بحيث تبدو نتائج هذه الانتخابات مؤشرًا لاتجاهات التصويت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ويجري استخدامها من قبل الفائزين لتأكيد نفوذهم على الساحة وجدارتهم باحتلال موقع القيادة.
الانتخابات الطلابية في فلسطين تختلف عن أي انتخابات قطاعية في أي مكان من العالم بأنها مقطوعة الصلة عن مصالح الطلبة وتمثيلها أمام الإدارات الجامعية، ذلك أن الاستقطاب السياسي الذي يتميز بالسخونة والحدة الدائمين استحوذ على جميع أنواع الانتخابات، حتى لو كانت على مستوى التجار ورجال الأعمال، غير أن لانتخابات مجالس الطلبة في فلسطين مردودًا سلبيًا، بل ومدمرًا في الواقع، ذلك أن التقارب في عدد المقاعد بين القطبين الأساسيين أفرز اتفاقًا وتفاهمًا عميقًا بتجنب إجراء الانتخابات العامة، إذ يوحد القطبين رعب مشترك من المفاجآت التي منها مثلاً أن يخسر القطبان جزءًا من استحواذهما التقليدي على الحياة السياسية والسلطوية التي يتمتعون بها ويتشبثون بمواقعها.
ففي غزة، تخشى حماس من أن يؤدي التذمر الشعبي الشامل ضد حكمها إلى بروز قوة منافسة من احتشاد الفصائل المناهضة لها، أو المستقلين الذين فتح أمامهم فشل حماس في الإدارة أبوابًا مضمونة للمنافسة والفوز، وبفعل قراءة من هذا النوع، فإن حماس ليست مضطرة للدخول في مجازفة إن لم تؤدِ إلى إنهاء حكمها المطلق للقطاع، فإنها ستؤدي حتمًا إلى إرخاء قبضتها عنه.
أما في الضفة، فللإقلاع عن الانتخابات سبب مختلف يتصل بالصراع الداخلي بين قبائل القطب الآخر، وهذا الصراع الداخلي - حسب التجربة - أفرز ظاهرة لا توجد إلا في فلسطين، وهي أن بإمكان فتح أن تحصل على مئات آلاف الأصوات وأن تفشل في تحويلها إلى مقاعد، ولأن الصراع الداخلي في فتح أدى إلى فقدانها آخر انتخابات تشريعية، وأدى كذلك إلى استحالة عقد مؤتمرها المنوط به ترتيب دورها في الانتخابات المحتملة، فإنها رأت أن بقاء الحال كما هو، هو الأسلم وربما الآمَن من الدخول في مغامرة الانتخابات التي ستفقدها مقاعد أكثر بكثير مما فقدت في الانتخابات السابقة.
ونظرًا للحسابات وتقديرات القطبين في الضفة وغزة فإن هنالك تفاهمًا عميقًا على أن يجري الحديث عن الانتخابات من زاوية من يريدها ومن لا يريدها، بينما المحصلة هي إجماع القطبين على عدم إجرائها.
طلبة الجامعات الذين هم الأكثر تمثيلاً لقطاع الشباب في المجتمع الفلسطيني يؤدون الصراع الديمقراطي بانتظام يحسدون عليه، إلا أنهم ينوبون عن قياداتهم العليا في أداء هذا الدور، وهذه القيادات التي تحتشد وراء رايات كتل الطلبة وتوفر لهذه الكتل دعمًا ماليًا للتأثير على التصويت سوف تستثمر من العام إلى العام الذي يليه فوز ممثليها فقط من أجل التباهي وإظهار الأفضلية في الوجاهة والنفوذ.
إنها إذن حياة ديمقراطية مبتورة، وانتخابات قطاعية تجري بالنيابة عن السياسية، وإذا ما استمر الحال على هذا المنوال، فإن أفضل وأصدق ما كان يباهي به الفلسطينيون، وهو التزامهم بديمقراطية عصرية، أضحى عرضة للتآكل والتلاشي، ذلك أن الحياة الديمقراطية الصحيحة هي سلسلة من الترتيبات والالتزامات الراسخة وليست كما هي الآن.