كشف المهندس علي النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، في مؤتمر «سعود الأوطان» في الرياض أمس، عن جوانب خفية في شخصية الأمير سعود الفيصل، مبينا أن الراحل لم يكن دبلوماسيا فذا وصاحب مدرسة في العلاقات الدولية فقط، بل كان اقتصاديا بامتياز أيضا، ملما بشؤون الطاقة والصناعة.
وقال النعيمي، خلال مؤتمر «سعود الأوطان» الذي ينظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض: «الراحل اتسم بالرصانة، والتأني في إبداء الرأي، واتخاذ القرار، إضافة إلى دراسة الأمور من جوانبها كافة، قبل اتخاذ موقف حولها، مع الاستعداد لتغيير هذا الموقف، عندما تستدعي مصالح السعودية ذلك، وعدم إغلاق الأبواب بشكل نهائي، بل تركها مفتوحة للاحتمالات كافة».
ولفت إلى أن الفيصل، دافع عن وطنه، وأبرز صوته وصورته، بشكل قل مثيله، مشيرا إلى أن مشاركته مع عدد من الوزراء العرب والأميركيين، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي كولن باول، في مؤتمر عن العلاقات العربية - الأميركية عام 2003 في مدينة ديترويت، كان الأكثر تميزا وحضورا وتأثيرا.
وتطرق إلى أدوار أخرى للراحل الفيصل في القضايا المحلية والخارجية، مثل: التنوع الاقتصادي، وتنمية مناطق المملكة كافة، والاهتمام بالعنصر البشري تعليما وتأهيلا، ليكون المحرك لهذه التنمية، فكان ينهج نهج والده رحمه الله، بأن تقوم المرأة السعودية بدور أكبر وأهم في التنمية الوطنية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ليرفع من مشاركتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن.
وقال النعيمي: «قابلت الفيصل أول مرة عام 1985، خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز للولايات المتحدة، وكنت من ضمن المدعوين للحفل الذي أقامه الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان للملك، ومن حسن حظي، أنني كنت بجانبه، فدار بيننا حديث ما زال محفورا في ذاكرتي، إذ كان دمثا متواضعا، ذا أخلاق عالية، مع روح الدعابة، وسلامة المنطق، يضاف إلى هذا كله، سعة الاطلاع والمعرفة، بالقضايا الخارجية والداخلية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية».
ولفت النعيمي إلى أن علاقته بالراحل ازدادت عمقا، وبالذات بعد أن أصبح النعيمي وزيرا للبترول والثروة المعدنية في عام 1995، فيقول: «بعد تعييني بأشـهر، كان يحال إلى لجنة القضايا السياسية والاقتصادية المهمة، ومنها البترولية والتعدينية، لدراستها والرفع بالتوصيات حيالها، فكان الأمير سعود الفيصل يولي أهمية كبيرة للقضايا الاقتصادية والبترولية، ويدرس تفاصيلها، ويناقشها بدقة الخبير، مع إعطاء أهمية كبيرة لمصالح المواطن السعودي، والتنمية الداخلية، وبعد ذلك العلاقات الاقتصادية الخارجية، وارتباطها بالجوانب السياسية».
ووفق النعيمي فإنه في عام 1998، طرح الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد، مبادرة البترول، التي تحولت بعد ذلك إلى مبادرة الغاز الطبيعي، وكان الهدف منها فتح المجال للشركات البترولية العالمية، للتنقيب عن الغاز الطبيعي في المملكة، وإنتاجه، وإنشاء مشاريع للكهرباء والماء، ومشاريع بتروكيماويات، وقد تم يومئذ تكوين لجنة وزارية برئاسة الأمير سعود الفيصل، واستمرت هذه اللجنة، تعمل لأكثر من أربعة أعوام، وشهدت نقاشات حادة، واختلافات كبيرة، بين أعضائها، وكان الفيصل يفكر من خلال ثلاثة أبعاد مترابطة: الاقتصاد الوطني، وعلاقات ومصالح المملكة الاقتصادية الخارجية، وعلاقاتها السياسية، بينما يركز بعض الأعضاء على جانب واحد، فنحن مثلا في وزارة البترول والثروة المعدنية، كان تفكيرنا ينصب على تأثير أي قرار قد يتخذ في مصالح السعودية البترولية وصناعتها.
وأضاف أن آراء ومواقف الفيصل في اللجنة كانت واضحة وقوية، لكنه كان دائما مستعدا لسماع مختلف الآراء وتفهمها، والاقتناع بها، وتغيير موقفه عندما يشعر بأن ثمة حاجة ومصلحة وطنية تستدعي ذلك، مشيرا إلى أنه كان يتقبل الرأي الآخر برحابة صدر، دون أن يتعصب لرأيه، رغم أنه رئيس اللجنة.
وتابع النعيمي: «كان الفيصل يولي السوق البترولية الدولية أهمية كبيرة من حيث الأسعار والعرض والطلب، ويراقبها عن كثب، وبالذات في حالة حدوث هزات كبيرة في السوق انخفاضا أو ارتفاعا، وكان يناقش وضع السوق البترولية معي باستمرار، سواء في اللقاءات العادية، أو ترتيب اجتماعات ثنائية، أو حتى عن طريق الهاتف، ويدرك الترابط الوثيق بين العلاقات السياسية والعلاقات والمصالح البترولية للمملكة، وإمكانية الاستفادة من هذا الجانب من أجل الجانب الثاني».
وعندما انخفضت أسعار البترول في عامي 1998، 1999؛ نتيجة عدم تقيد بعض دول «أوبك» بحصصها، والحديث للنعيمي، كان الفيصل مهتما بهذا الموضوع بشكل كبير، ويعمل من أجل إيجاد حل لهذا الأمر، من أجل عودة الأسعار إلى مستويات واقعية تحقق دخلا مجزيا للوطن، وخلال أكثر من سنة ونصف، أجرت السعودية محادثات، ونقاشات وجولات مكوكية شملت جميع الدول المنتجة الرئيسية للبترول من دول «الأوبك» وخارجها.
وقال النعيمي: «كنا نلجأ إلى الفيصل لاستخدام نفوذه وعلاقاته وتأثيره؛ لإيجاد حلول واقعية لهذه المشكلة أو تلك، وأذكر أنه عندما واجهت «الأوبك» والدول المتعاونة معها أثناء انخفاض الأسعار في عامي 1998 – 1999، مشكلة الإنتاج الإيراني، وكمية التخفيض المطلوبة، ونظرا إلى العلاقة الجيدة آنذاك بين البلدين، في فترة رئاسة كل من رفسنجاني، ومنتظري، وعلاقة الفيصل بوزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، اتصل الفيصل بوزير الخارجية الإيراني؛ مما ساعد في إيجاد حل لهذه المعضلة، ثم عادت أسعار البترول إلى الارتفاع في منتصف عام 1999».
وذكر أن المحادثات الدولية حول التغير المناخي عندما بدأت في أواخر الثمانينات الميلادية، على أساس أن هناك انبعاثات ضارة بالبيئة، تُسهم في التغير المناخي للكرة الأرضية، ومن ضمن مصادرها البترول والغاز، التي تسعى بعض الدول إلى تقليص استخدامها، من منطلقات بيئية، أدركت وزارة البترول والثروة المعدنية، أن أي قرارات دولية كهذه، ستؤثر سلبا في مصالح السعودية، على المدى الطويل، ومن هنا دخلت المملكة بقوة في هذه المفاوضات، فتولى الفيصل ذلك وأخذ موقفا قـويا وواضحا، والتنسيق مع ممثلي الوزارة، حيث تشارك السعودية في هذه الاجتماعات، وتعمل على عدم اتخاذ أي قرار دولي ملزم، قد يضر باستخدامات البترول والغاز على المديين القصير والطويل.
ونوه باهتمام الفيصل بمنع الصيد الجائر غير المنظم، وقطع الأشجار وغير ذلك، حيث قررت الحكومة في أواخر الثمانينات إنشاء محميات طبيعية، يمنع فيها الصيد الجائر، والإضرار بالنباتات والأحياء الطبيعية، فكان الفيصل رئيس اللجنة الوزارية المشكلة لهذا الغرض، الذي أصبح الآن أحد أهم مشروعات حماية البيئة في العالم، لافتا إلى اهتمام الفيصل، بمنظمة «الأوبك» وأهمية استمرارها وتقويتها، بأن يكون للمملكة دور رئيس فيها، كما أسهم في انضمام المملكة إلى مجموعة العشرين.
وتحدث وزير البترول والثروة المعدنية السعودي عن دور الفيصل في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، إضافة إلى دوره في تسهيل الإجراءات البيروقراطية لرجال الأعمال والمستثمرين الدوليين الراغبين في زيارة السعودية.
إلى ذلك، شارك الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبد اللطيف الزياني، في الجلسة الحوارية الخاصة بجهود الأمير سعود في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في الثاني من أغسطس (آب) 1990.
وذكر الزياني أن احتلال الكويت كان صدمة قوية ليس للكويتيين فقط، بل لكل أبناء الخليج قادة وشعوبا، والعالم أجمع؛ ولذلك كان الموقف الخليجي من غزو الكويت حاسما وحازما، ورغم الجهود العربية والدولية لإقناع صدام حسين بالانسحاب، لكنه أبى واستكبر، وبدأ يحشد قواته على حدود السعودية، فكان على القيادة السعودية بزعامة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، أن تتحرك بسرعة، وكان على الدبلوماسية السعودية بقيادة الأمير سعود الفيصل، أن تقود الجهود السياسية السعودية إقليميا ودوليا، بالتعاون والتنسيق المتواصل مع وزراء خارجية دول المجلس.
وأوضح الأمين العام أن نهج الأمير سعود الفيصل في التعامل مع القضايا الاستراتيجية، كما في غزو الكويت، يستند إلى مبادئ وقيم يؤمن بها أشد الإيمان، وهي التمسك بالشرعية السياسية والقانونية، وتسخير العلاقات الدولية والاستفادة من تأثيرها الإيجابي، وتوحيد المجتمع الدولي وكسب تأييده، واعتماد الشفافية والصراحة والوضوح في كشف الحقائق، والتنسيق المستمر مع الدبلوماسية الخليجية.
ولفت إلى أن هذه السياسة والخطاب الخليجي الموحد أثمر في توحيد المواقف والجهود وكسب التأييد والمساندة الدولية حتى تم تحرير الكويت.
النعيمي: سعود الفيصل دبلوماسي فذ واقتصادي بامتياز كان له تأثير إيجابي في «أوبك»
الزياني: دور كبير للراحل في تحرير الكويت
النعيمي: سعود الفيصل دبلوماسي فذ واقتصادي بامتياز كان له تأثير إيجابي في «أوبك»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة