ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

الضوء التونسي

لن يسَع المتابع لحال الصحافة العربية أو بعضها سوى الاستغراق في حالة من التفجع والرثاء لما وصلت إليه، بحيث يمكن وصف من يتمكن من أن يمارس العمل الصحافي الفعلي بأنه يقدم على فعل شجاع. يصح هذا الاستنتاج إذا تأملنا في واقع الارتباط العضوي للصحافة بسلطة ما سواء أكانت نظاما أو قوة دينية أو مالية، وبالتالي يصبح النقد محصورًا غالبًا في خصوم هذه السلطة، مما جعل الكثير من الصحافة والإعلام العربيين منصات للتعبئة والتحريض.
ضاعف من هذا الدور حال الاستقطاب المذهبي والسياسي الحاصل حاليًا، بحيث ضاقت مساحات النقد الفعلي والمهنية وما ضعف المساهمة الصحافية العربية في كشوفات «وثائق بنما» أو وثائق «نيويوركر» سوى مؤشرات على حالة الترهل التي تضرب العمل الصحافي العربي. ففي هذه الأيام تتلقى صحافتنا صفعة تلو الأخرى سواء على مستوى الخطر الأمني أو الرقابي أو المالي، وذلك في أكثر من دولة عربية. لكن وسط هذا المشهد القاتم برزت تجربة، وإن كانت لا تزال في المخاض، تمثلت في تقدم تونس عربيًا على مؤشر حريات الصحافة. وهذه الخلاصة قدمها لنا تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» السنوي، المعني بوضع مؤشر حرية الصحافة في العالم، فكانت تونس التجربة العربية الوحيدة التي حققت إنجازًا تمثل - بحسب التقرير - في انخفاض وتيرة الانتهاكات والإجراءات العدوانية. أتى التقدم التونسي فيما تشهد كل التجارب العربية الأخرى تدهورًا وانعطافات خطرة بما في ذلك من سجن وقتل وتعذيب طاول صحافيين وصحافيات. وهذا التقدم التونسي يضاف إلى سجل هذا البلد الذي ثبت نفسه بصفته تجربة النجاح الوحيدة التي حققتها الثورات العربية، بحيث لم تثمر الثورة فيها حربًا أهلية أو نزاعًا مرًّا مع المتشبثين بالسلطة، كما هو حاصل في سوريا ومصر واليمن وليبيا مثلا. وهذا التشخيص لا يغفل المخاطر المحيطة بالوضع التونسي، خصوصًا لجهة قيام صحافة مستقلة فعلاً في وجه سلطتي المال والسياسة. صحيح أن التقدم التونسي لا يزال بعيدًا عن التجارب الغربية، لكنه خرق إيجابي في هذا الجدار العربي يجب أن يحسب لهذا البلد. والإعجاب بما حققته تونس لا يعني تجاهل المخاوف التي يعبر عنها المرتابون من مساعي بعض السلطة للهيمنة على قطاع الإعلام ومن محاولات تضييق مورست ولا تزال. فمعركة حرية الصحافة في تونس لم تنته بعد، إذ على غرار باقي السلطات هناك محاولة لاستعادة السيطرة وخنق مجالات النقاش العام. فمع تطور التقنيات وانتشار صحافة المواطن برزت حالات رأي عام نقدي، لكن في المقابل بات هناك عنف أكبر تمارسه السلطات حيال من يمثلون إعلامًا مستقلاً تحت ذرائع من نوع الاستقرار الأمني والقومي.
ما حققته تونس يبعث على شيء من الحماسة، ويبث شعلة في مشاعر الاستسلام التي تغلبنا، ويعطي أملا بأنه هناك ثمة فسحة للمحاولة والخروج من تبعيات المال والسلطة. لعلنا لا نملك ترف الركون إلى الواقع، ولا مفر من محاولات التمرد والنهوض مهما كانت صعبة وشائكة.
تونس بثت فينا الأمل مجددًا، فلنبقِ هذه الشعلة.
[email protected]