40 قتيلا ومئات الجرحى بالتفجير الانتحاري في كابل

السعودية تدين الهجوم الإرهابي وتؤكد وقوفها إلى جانب أفغانستان

جنود أفغان في موقع التفجير الانتحاري في العاصمة كابل أمس «أ ب أ»
جنود أفغان في موقع التفجير الانتحاري في العاصمة كابل أمس «أ ب أ»
TT

40 قتيلا ومئات الجرحى بالتفجير الانتحاري في كابل

جنود أفغان في موقع التفجير الانتحاري في العاصمة كابل أمس «أ ب أ»
جنود أفغان في موقع التفجير الانتحاري في العاصمة كابل أمس «أ ب أ»

هز انفجار قوي ناجم عن سيارة مفخخة تبنته حركة طالبان، أمس، العاصمة الأفغانية كابل، وتبعه قتال عنيف، مما أدى إلى سقوط 40 قتيلا في أول هجوم يشنه المتمردون في العاصمة منذ بدء «هجوم الربيع» السنوي. وقد وقع الهجوم الذي استهدف مبنى رسميا صباحا في ساعة الازدحام، وشعر مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية بالمنازل تهتز، في حين تحطم الزجاج وارتفعت سحب الدخان في السماء.
وأعلن قائد شرطة كابل، عبد الرحمن رحيمي، للصحافيين أن الهجوم الكبير الذي شنته حركة طالبان، أمس، أوقع 28 قتيلا، موضحا: «نتيجة التفجير، قتل 28 شخصا، معظمهم من المدنيين». وكانت الحصيلة السابقة تشير إلى سقوط 7 قتلى و327 جريحا». وقال شاهد يدعى صديق الله لوكالة الصحافة الفرنسية: «كان الانفجار هائلا، وكان هناك كثير من الناس في الشارع، ويرجح سقوط كثير من الضحايا.. لقد سئمنا هذه الهجمات». وتبنت «طالبان» هذا الاعتداء الانتحاري بالسيارة المفخخة، في تكتيك دائما تستخدمه ضد القوات الأفغانية، خلال حركة التمرد التي تشنها منذ سقوط نظامها نهاية 2001. وقال صديق صديقي، الناطق باسم وزارة الداخلية، إن الاعتداء استهدف مبنى تابعا للحكومة الأفغانية، وسط العاصمة، مضيفا أن الانفجار الأول سمع على بعد كيلومترات من المستديرة ونفذ بواسطة «سيارة مفخخة يقودها انتحاري».
وأدانت السعودية بشدة الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة الأفغانية كابل، وأسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى؛ حيث عبر مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية عن إدانة بلاده واستنكارها الشديدين لهذا الحادث.
وأكد المصدر تضامن السعودية ووقوفها إلى جانب أفغانستان ضد آفة الإرهاب الخطيرة بصورة وأشكاله كافة، معربا في الوقت نفسه عن تعازي المملكة لأسر الضحايا ولجمهورية أفغانستان الإسلامية حكومة وشعبا، والأمنيات للمصابين بالشفاء العاجل.
من جهته، قال الناطق باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، إنه بعد ذلك «دخل مقاتلون إلى المجمع». وسمع مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في المكان تبادلا كثيفا لإطلاق النار بالقرب من المبنى الذي كان يوجد فيه مكتب الإدارة الوطنية للأمن، أبرز وكالة تجسس في أفغانستان، لكن تستخدمه حاليا الرئاسة، بحسب المصدر نفسه.
ويشكل هذا الهجوم في حي مكتظ بالسكان أول هجوم كبير تنفذه «طالبان» في كابل، منذ أن أعلنت الحركة عن بدء موسم القتال هذه السنة، وغالبا ما تستهدف حركة طالبان قوات الشرطة والجيش الأفغاني بهجمات انتحارية، وكذلك أجهزة الاستخبارات التي تعتبرها تابعة للقوات الأجنبية المنتشرة في أفغانستان.
وقد أعلنت حركة طالبان الأفغانية، أمس، بدء هجوم الربيع الذي تشنه سنويا، رغم أن حكومة كابل تسعى إلى حمل المتمردين على المشاركة في المفاوضات الهادفة لإنهاء النزاع. وحذرت «طالبان» من أنها ستستخدم «هجمات واسعة النطاق ضد مواقع العدو في مختلف أنحاء البلاد»، خلال الهجوم الذي أطلقت عليه اسم «العملية العمرية»، نسبة إلى زعيم الحركة الراحل الملا محمد عمر الذي أعلنت وفاته الصيف الماضي. وبدأ المتمردون موسم القتال الأسبوع الماضي عبر استهداف مدينة قندوز (شمال) التي سيطروا عليها لفترة وجيزة السنة الماضية، في نكسة كبيرة للقوات الأفغانية.
لكن مسؤولين قالوا إن قوات الأمن الأفغانية طردت مقاتلي طالبان من المدينة، الجمعة. وهجوم الربيع السنوي يشير عادة إلى بدء «موسم القتال» رغم أن التوقف خلال فصل الشتاء هذا كانت فترته قصيرة، حيث واصلت حركة طالبان معاركها مع القوات الحكومية لكن بحدة أقل. وتدور أكثر المعارك شراسة في ولاية هلمند، المحافظة الجنوبية التي تنتج معظم الأفيون الأفغاني، وحيث يسيطر المتمردون على معظم المناطق.
وبدأ متمردو طالبان يطرحون تساؤلات جدية حول قدرة القوات الأفغانية على الإمساك بأمن البلاد لوحدها مع مقتل 5500 جندي السنة الماضية، في أعلى حصيلة تسجل. وتوقفت محادثات السلام التي بدأت الصيف الماضي فجأة، بعد إعلان وفاة زعيم «طالبان» الملا عمر. وتعقد مجموعة شكلت من أربع دول، تضم أفغانستان والولايات المتحدة والصين وباكستان، اجتماعات منذ يناير (كانون الثاني) بهدف استئناف المفاوضات، رغم أن جهودها لم تحقق نتيجة حتى الآن.
وقال المتحدث باسم شرطة كابل، بصير مجاهد، إنه «تم تطهير المنطقة من المسلحين، وانتهى الهجوم»، مشيرا إلى أن مهاجمين اثنين فقط نفذا الهجوم، أحدهما فجر الشاحنة المفخخة، والآخر تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن. وقال مسؤول في الإدارة الوطنية للأمن، طلب عدم كشف هويته، إن: «15 شخصا على الأقل من العاملين في وحدة الحماية قتلوا في الهجوم». وأفاد المتحدث باسم وزارة الصحة، إسماعيل قواصي، بأن سيارات الإسعاف نقلت المصابين إلى مستشفيات في أنحاء المدينة.
ومن ناحيته، أدان الرئيس الأفغاني، أشرف غني، الهجوم الذي قال إنه «يظهر بوضوح فشل العدو في المعركة المباشرة» مع قوات الأمن الوطني. وأعلنت «طالبان» مسؤوليتها عن الهجوم، وقال المتحدث باسمها عبر «تويتر»: «بعد التفجير الأول، دخل عدد من المسلحين الإدارة، ودارت معركة شديدة، وتكبد العدو كثيرا من الخسائر البشرية».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».