«هيومن رايتس ووتش» تتهم نظام الأسد باعتماد «تكتيك التجويع» في ريف دمشق

ناشطون: اضطررنا لاستخدام الأدوية المنتهية الصلاحية عدة مرات

محمد شعبان توفي أمس في مضايا بريف دمشق بعد أن منعته سلطات الأسد من تلقي العلاج خارج البلدة «مواقع التواصل الاجتماعي»
محمد شعبان توفي أمس في مضايا بريف دمشق بعد أن منعته سلطات الأسد من تلقي العلاج خارج البلدة «مواقع التواصل الاجتماعي»
TT

«هيومن رايتس ووتش» تتهم نظام الأسد باعتماد «تكتيك التجويع» في ريف دمشق

محمد شعبان توفي أمس في مضايا بريف دمشق بعد أن منعته سلطات الأسد من تلقي العلاج خارج البلدة «مواقع التواصل الاجتماعي»
محمد شعبان توفي أمس في مضايا بريف دمشق بعد أن منعته سلطات الأسد من تلقي العلاج خارج البلدة «مواقع التواصل الاجتماعي»

اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» النظام السوري بـ«عرقلة وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى المناطق التي يحاصرها في سوريا، وعدم الوفاء بالتزاماته». وأعلنت رفضها لـ«تكتيك التجويع المستمر التي يستخدمه نظام بشار الأسد في مناطق حول دمشق، أو تبرير إزالته الأدوية الأساسية من قوافل المساعدات»، فيما طالبته الأمم المتحدة بـ«إعطاء الإذن للوكالات الإنسانية المحايدة بدخول مناطق الغوطة الشرقية وداريّا التي تعاني ظروفا رهيبة» في وقت عاد مجددًا شبح الجوع ليهدد بلدة مضايا في الريف الغربي لدمشق.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة رفع تقريرًا إلى مجلس الأمن الدولي في 23 مارس (آذار) الماضي، أعلن فيه أن «الحكومة السورية منعت المساعدات عن 6 من أصل 18 منطقة محاصرة على الأقل منذ بدء وقف الأعمال العدائية في 26 فبراير (شباط)، كما منعت وصول المساعدات إلى الغوطة الشرقية بما فيها حرستا وعربين وزملكا وزبدين وداريّا، ما يؤثر على حياة أكثر من 250 ألف مدني». ودعت الأمم المتحدة نظام بشار الأسد، إلى «إعطاء الإذن لوكالات إنسانية محايدة بدخول أجزاء من الغوطة الشرقية وداريّا، والتي تعاني ظروفا رهيبة».
وتحاصر قوات الأسد بلدة داريّا، التي تقع على بعد 8 كيلومترات إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق منذ عام 2012، ما يؤثر على حياة نحو 4000 مدني وفقا للأمم المتحدة. فيما يتحدث ناشطون محليون عن وجود أكثر من 8300 مدني في المدينة.ونقلت «هيومن رايتس ووتش» عن مسؤولين في المجلس المحلي وعمال الإغاثة في دارّيا (الغوطة الغربية) ودوما (الغوطة الشرقية)، تأكيدهما أن المدنيين «يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية وكذلك من الفقر المدقع». وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: «رغم أن تسليم المساعدات تحسّن الشهر الماضي، فإنه لا يزال يكاد لا يكفي، كثير من السوريين لم يتلقوا بعد المساعدات التي يحتاجون إليها، وعلى الحكومة السورية التوقف عن استخدام المساعدات كوسيلة ضغط والسماح فورا بوصولها إلى المدنيين المحاصرين جميعا». وأكد حوري أنه «لا يمكن للحكومة السورية تبرير تكتيك التجويع المستمر الذي تستخدمه في مناطق حول دمشق، أو تبرير إزالتها الأدوية الأساسية من قوافل المساعدات». أضاف: «يجب ألا يتطلب الأمر ضجة إعلامية كبيرة، كتلك التي سلطت الضوء على مضايا، لتذكير العالم ودفع الحكومة إلى الامتثال لالتزاماتها».
وأعلن محمد شحادة، العضو في المجلس المحلي لمدينة داريّا، أن الحصار «حرم المدينة من الماء والكهرباء». وأضاف: «الطعام شحيح جدا هنا، اعتدنا الاعتماد على المدّخرات وجلب المواد الغذائية من مدينة مجاورة، ولكن منذ شدّد النظام حصاره لا نستطيع جلب أي طعام أو دواء»، مؤكدًا أن «الوضع الطبي يزداد سوءا يوما بعد يوم، نحن نحتاج الأدوية، واضطررنا لاستخدام الأدوية المنتهية الصلاحية عدة مرات». أضاف: «هناك مستشفى ميداني واحد فقط يخدم المدينة بأكملها، ولا يمكن تنفيذ الكثير من العمليات الجراحية بسبب نقص المعدات».
أما فراس عبد الله الناشط في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، فأشار إلى أن «الحصار جعل الحياة أكثر صعوبة على المواطنين». وأضاف: «السكان المحليون يتسولون في الشوارع لإيجاد وسيلة للبقاء على قيد الحياة، وحالات الاكتئاب مرتفعة لأننا فقدنا الأمل في أن العالم سيقف معنا، وخصوصا عندما تلقّت مناطق أخرى من سوريا المساعدات ونحن لم نحصل عليها». وما تعاني منه داريا والغوطة الشرقية ينسحب أيضًا على مضايا، التي تقف على شفير مأساة تجويع جديدة، خصوصًا وأن أي مواد غذائية أو أدوية لم تدخلها منذ نحو شهر. وقال الناشط في مضايا محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط» إن «الفتى محمد نمر شعبان (14 عامًا) توفي أمس بسبب سوء التغذية، الذي راكم مرض الصرع الذي أصيب به إثر اعتقاله وتعذيبه على يد قوات النظام في وقت سابق، وغياب الأدوية اللازمة لوضعه». وأكد أن «كل محاولات إخراج هذا الفتى لمعالجته في مشفى متخصص لم تفلح إلى أن فارق الحياة».
وقالت «هيومن رايتس ووتش» إن إخلاء الجرحى المدنيين من المناطق المحاصرة لا يزال إشكاليا. ونقلت عن عامل إغاثة أنه «تم إخلاء 15 شخصا فقط لأسباب طبية الأسبوع الماضي من الزبداني (ريف دمشق)، ومعرة مصرين (إدلب) اللتين تحاصرهما الحكومة، ومن الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما جماعات مسلحة مناهضة للحكومة، كما كانت هناك بعض عمليات الإخلاء الطبي في (مارس) من مضايا، وهي البلدة التي تحاصرها الحكومة ولفتت انتباه العالم في وقت سابق من هذا العام لأن أهلها عانوا المجاعة». قال عامل الإغاثة «إن 300 مدني يحتاجون إلى الإخلاء الطبي العاجل لا يزالون عالقين في مضايا».
واتهمت الصحافية أني سبارو في تقرير نشرته أمس في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، الأمم المتحدة بأنها «شريكة مع نظام الأسد في استراتيجية محاصرة المدنيين وقطع المواد الغذائية والمستلزمات والوقود عنهم»، مؤكدة أن «هذه الأفعال تعتبر جرائم حرب».
وأكدت الكاتبة أن الأمم المتحدة «متورطة مع نظام الأسد في حصار بعض المدن السورية». واستشهدت على تواطؤ الأمم المتحدة مع نظام الأسد من خلال «التغييرات التي أدخلها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2016، حيث قام المكتب بمراجعة النظام بشأن هذه الخطة»، وقالت إن مسؤولين في الأمم المتحدة، محلي وإقليمي، قاما بحذف كل كلمة تشير إلى «الحصار» أو «محاصرين»، وذلك من مقر إقامة أحدهما في فندق الفورسيزن ذي الخمس نجوم في دمشق».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.