اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» النظام السوري بـ«عرقلة وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى المناطق التي يحاصرها في سوريا، وعدم الوفاء بالتزاماته». وأعلنت رفضها لـ«تكتيك التجويع المستمر التي يستخدمه نظام بشار الأسد في مناطق حول دمشق، أو تبرير إزالته الأدوية الأساسية من قوافل المساعدات»، فيما طالبته الأمم المتحدة بـ«إعطاء الإذن للوكالات الإنسانية المحايدة بدخول مناطق الغوطة الشرقية وداريّا التي تعاني ظروفا رهيبة» في وقت عاد مجددًا شبح الجوع ليهدد بلدة مضايا في الريف الغربي لدمشق.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة رفع تقريرًا إلى مجلس الأمن الدولي في 23 مارس (آذار) الماضي، أعلن فيه أن «الحكومة السورية منعت المساعدات عن 6 من أصل 18 منطقة محاصرة على الأقل منذ بدء وقف الأعمال العدائية في 26 فبراير (شباط)، كما منعت وصول المساعدات إلى الغوطة الشرقية بما فيها حرستا وعربين وزملكا وزبدين وداريّا، ما يؤثر على حياة أكثر من 250 ألف مدني». ودعت الأمم المتحدة نظام بشار الأسد، إلى «إعطاء الإذن لوكالات إنسانية محايدة بدخول أجزاء من الغوطة الشرقية وداريّا، والتي تعاني ظروفا رهيبة».
وتحاصر قوات الأسد بلدة داريّا، التي تقع على بعد 8 كيلومترات إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق منذ عام 2012، ما يؤثر على حياة نحو 4000 مدني وفقا للأمم المتحدة. فيما يتحدث ناشطون محليون عن وجود أكثر من 8300 مدني في المدينة.ونقلت «هيومن رايتس ووتش» عن مسؤولين في المجلس المحلي وعمال الإغاثة في دارّيا (الغوطة الغربية) ودوما (الغوطة الشرقية)، تأكيدهما أن المدنيين «يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية وكذلك من الفقر المدقع». وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: «رغم أن تسليم المساعدات تحسّن الشهر الماضي، فإنه لا يزال يكاد لا يكفي، كثير من السوريين لم يتلقوا بعد المساعدات التي يحتاجون إليها، وعلى الحكومة السورية التوقف عن استخدام المساعدات كوسيلة ضغط والسماح فورا بوصولها إلى المدنيين المحاصرين جميعا». وأكد حوري أنه «لا يمكن للحكومة السورية تبرير تكتيك التجويع المستمر الذي تستخدمه في مناطق حول دمشق، أو تبرير إزالتها الأدوية الأساسية من قوافل المساعدات». أضاف: «يجب ألا يتطلب الأمر ضجة إعلامية كبيرة، كتلك التي سلطت الضوء على مضايا، لتذكير العالم ودفع الحكومة إلى الامتثال لالتزاماتها».
وأعلن محمد شحادة، العضو في المجلس المحلي لمدينة داريّا، أن الحصار «حرم المدينة من الماء والكهرباء». وأضاف: «الطعام شحيح جدا هنا، اعتدنا الاعتماد على المدّخرات وجلب المواد الغذائية من مدينة مجاورة، ولكن منذ شدّد النظام حصاره لا نستطيع جلب أي طعام أو دواء»، مؤكدًا أن «الوضع الطبي يزداد سوءا يوما بعد يوم، نحن نحتاج الأدوية، واضطررنا لاستخدام الأدوية المنتهية الصلاحية عدة مرات». أضاف: «هناك مستشفى ميداني واحد فقط يخدم المدينة بأكملها، ولا يمكن تنفيذ الكثير من العمليات الجراحية بسبب نقص المعدات».
أما فراس عبد الله الناشط في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، فأشار إلى أن «الحصار جعل الحياة أكثر صعوبة على المواطنين». وأضاف: «السكان المحليون يتسولون في الشوارع لإيجاد وسيلة للبقاء على قيد الحياة، وحالات الاكتئاب مرتفعة لأننا فقدنا الأمل في أن العالم سيقف معنا، وخصوصا عندما تلقّت مناطق أخرى من سوريا المساعدات ونحن لم نحصل عليها». وما تعاني منه داريا والغوطة الشرقية ينسحب أيضًا على مضايا، التي تقف على شفير مأساة تجويع جديدة، خصوصًا وأن أي مواد غذائية أو أدوية لم تدخلها منذ نحو شهر. وقال الناشط في مضايا محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط» إن «الفتى محمد نمر شعبان (14 عامًا) توفي أمس بسبب سوء التغذية، الذي راكم مرض الصرع الذي أصيب به إثر اعتقاله وتعذيبه على يد قوات النظام في وقت سابق، وغياب الأدوية اللازمة لوضعه». وأكد أن «كل محاولات إخراج هذا الفتى لمعالجته في مشفى متخصص لم تفلح إلى أن فارق الحياة».
وقالت «هيومن رايتس ووتش» إن إخلاء الجرحى المدنيين من المناطق المحاصرة لا يزال إشكاليا. ونقلت عن عامل إغاثة أنه «تم إخلاء 15 شخصا فقط لأسباب طبية الأسبوع الماضي من الزبداني (ريف دمشق)، ومعرة مصرين (إدلب) اللتين تحاصرهما الحكومة، ومن الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما جماعات مسلحة مناهضة للحكومة، كما كانت هناك بعض عمليات الإخلاء الطبي في (مارس) من مضايا، وهي البلدة التي تحاصرها الحكومة ولفتت انتباه العالم في وقت سابق من هذا العام لأن أهلها عانوا المجاعة». قال عامل الإغاثة «إن 300 مدني يحتاجون إلى الإخلاء الطبي العاجل لا يزالون عالقين في مضايا».
واتهمت الصحافية أني سبارو في تقرير نشرته أمس في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، الأمم المتحدة بأنها «شريكة مع نظام الأسد في استراتيجية محاصرة المدنيين وقطع المواد الغذائية والمستلزمات والوقود عنهم»، مؤكدة أن «هذه الأفعال تعتبر جرائم حرب».
وأكدت الكاتبة أن الأمم المتحدة «متورطة مع نظام الأسد في حصار بعض المدن السورية». واستشهدت على تواطؤ الأمم المتحدة مع نظام الأسد من خلال «التغييرات التي أدخلها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2016، حيث قام المكتب بمراجعة النظام بشأن هذه الخطة»، وقالت إن مسؤولين في الأمم المتحدة، محلي وإقليمي، قاما بحذف كل كلمة تشير إلى «الحصار» أو «محاصرين»، وذلك من مقر إقامة أحدهما في فندق الفورسيزن ذي الخمس نجوم في دمشق».
«هيومن رايتس ووتش» تتهم نظام الأسد باعتماد «تكتيك التجويع» في ريف دمشق
ناشطون: اضطررنا لاستخدام الأدوية المنتهية الصلاحية عدة مرات
«هيومن رايتس ووتش» تتهم نظام الأسد باعتماد «تكتيك التجويع» في ريف دمشق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة