سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

من يمثل لبنان؟

بدأت معركة مديرية اليونيسكو العامة مبكّرة هذه المرة، ومن المبكر أيضًا الدخول في أي تفاصيل لا تؤدي إلى شيء في هذه المرحلة. غير أن المنافسة على أعلى موقع ثقافي أممي اتخذت في لبنان منحى لا أستطيع حتى الآن توصيفها. فقد أعلن الدكتور غسان سلامة، وزير الثقافة الأسبق، وعميد معهد الشؤون الدولية في باريس، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعتين الأميركية واليسوعية في بيروت، وكبير مستشاري الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوث الأمم المتحدة إلى العراق، وصاحب المؤلفات الفكرية السياسية بالعربية والإنجليزية والفرنسية، والأستاذ المحاضر في جامعات نيويورك وواشنطن، أعلن ترشحه لهذا الموقع.
غير أن وزارة الخارجية اللبنانية كان لديها مرشح آخر هو السيدة فيرا خوري. ومنذ أن أبلغ السيد الوزير جبران باسيل صفارات لبنان باسم مرشحته، وأنا أبحث من خلال جميع الوسائل المتوافرة لكي أعرف مَن هي السيدة خوري. لماذا على اللبنانيين أن يرموا الدكتور غسان سلامة من نافذة وزارة الخارجية ليفرحوا ويبتهجوا بالسيدة أو الآنسة فيرا.
يحزنني أن أبلّغ الشعب اللبناني العظيم بأنني لم أعثر على أي إفادة في شأن السيدة المذكورة إلا بصفتها الدبلوماسية، سكرتيرةً، لسعادة السفير جيلبير شاغوري في منظمة اليونيسكو. ويشغل سعادته هذا المنصب الثقافي الباهر منذ بضع سنوات، غير أن الدنيا لم تأخذ علمًا بذلك، ليس لتقصير من قِبَل السيد السفير أو السيدة نائبته، وإنما على ما يبدو لكون جزيرة سانتا لوتشيا التي يمثلانها، لا يزيد عدد سكانها على 170 ألف نسمة، ثلثهم في العاصمة، والباقون يتشمسون على شاطئ بديع وزرقة خارقة.
لو كنت لبنانيًا وتأملت الموضوع بتجرد وموضوعية وصدق مع النفس، لأدركت على الفور أن الرابح في معركة الترشيح هو السيدة فيرا. أقول ذلك استنادًا إلى حقيقة صار يعرفها الجميع، وهي أن لبنان فقد كل المقاييس كدولة متحضرة قائمة على سمعته وتاريخه ومكوناته. وهي جميعًا مكونات حضارية وثقافية تبدأ بيوم ابتدع الفينيقيون الأبجدية، وصولاً إلى صورة فيروز المعلقة على جدران الفنون والثقافة في كل مكان.
من الصدف المريرة أن لبنان الذي أرسل أمين معلوف إلى الأكاديمية الفرنسية يشيح النظر اليوم عن شخصية في مثل عالمية غسان سلامة، من أجل أن يسمي سيدة لا يُعرف عنها أي شيء على الإطلاق سوى أنها نائبة سفير سانتا لوتشيا، والهبات التي يوزعها في لبنان ذات اليمين وذات الشمال، ساعيًا بكل بساطة ليس فقط لصنع الوزراء والنواب والمديرية العامة لليونيسكو، وإنما أيضًا لصناعة رئاسة الجمهورية التي لم يتردد البعض في أن يرشحه لها.
أحب أن أقول لمن يقرأ هذه الكلمات في لبنان والعالم العربي، إنني لست ضد السيد شاغوري الذي لا تتجاوز معرفتي به مأدبة عشاء في نيويورك. فسمعته أنه رجل برٍ وإحسان. وإنما ضد الجمهورية اللبنانية التي بلغ عماها وانحطاطها أنها تُفكّر في مرشح آخر عندما يكون لديها مرشح يدعى غسان سلامة.