خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

البركة في الزبالة

استغلال الإمكانات السياحية من المواضيع التي أشرت إليها مرارًا، وذكرت وأكدت على ما ذكرت بأن المستقبل الاقتصادي الحقيقي للعراق مثلاً ليس في النفط أو الزراعة أو الصناعة أو الرشوة والاختلاس وإنما بالسياحة. لكن هذا الموضوع يتطلب فهمًا ذكيًا في المعالجة. لقد ذهبت موضة السياحة إلى المناطق الجميلة. هذه كلها مما شغل اهتمام السلف، أصبح من العيب على الرجل الغربي المترهل والمثقل بالدولار أن يذكر أنه قضى عطلته على بلاجات الريفيرا. لكل شيء موضة عند الأوروبيين والأميركان، والموضة السياحية في هذه الأيام تنصب على المناطق المهجورة والمتخلفة، هكذا جنى أحد الرواد الإنجليز ألوف الباوندات من تنظيم سياحات إلى المعامل العاطلة والمناجم المهجورة والمزابل الصناعية. وهذه فرصة رائعة لدول العالم الثالث، فلا شيء يميز هذه الدول أكثر من المزابل المنتشرة في كل مكان، يسمونها أحيانا على الخريطة بـ«الحدائق العامة». كل ما يحتاجه مواطنوها هو إقناع السياح الغربيين بكثافة مزابلهم وتنوعها وقرف روائحها وتوفرها في كل المدن، وما أسهل تحقيق ذلك في حملة ذكية تدعمها ملصقات زاهية تصور الحسناوات وملكات الجمال متشطحات بكل بهجة وسرور فوق هذه المزابل وتحت شعار، مثلاً: «زورونا، حيث تمتد الأزبال إلى الأفق»، أو «هيا بنا لعاصمتنا المحاطة بالمقابر»، أو كما يجب: «اقض شتاءك عندنا حيث تعج أرصفة الشوارع بالجثث!»، وتعطي شركات التأمين ضمانات للقادمين بتوفر الزبل طوال الزيارة السياحية لمدة لا تقل عن 99.99 في المائة من وقت إقامتهم.
كسب رائد إنجليزي آخر مبالغ طائلة من مجرد عرض نفسه نائمًا مصبوغًا باللون الفضي، يدفع الناس ثمن تذاكر عالية لمجرد أن يتفرجوا عليه نائمًا بهذا الشكل. وهذه فرصة أخرى لاجتذاب السياح الغربيين. لماذا يتفرجون على رجل واحد نائم مصبوغ بالفضي؟، هنا في عالمنا المتخلف يجدون شعبًا بكامله مستغرقًا في النوم مزركشا بالإكزيما والجذام والرمد وبثرات الجدري. حيثما سيذهب هذا السائح الأجنبي سيجد أمامه أشخاصًا نائمين، في دائرة البريد، في محطة القطار، في مكتب الجمرك، على أرصفة الشوارع، في كل مكان، بل وحتى في مكاتب الوزارات وأثناء أهم المناقشات البرلمانية. وفي أكثر الأحيان سيجدون النيام نصف عرايا.
موضة الموسم الحالي في أوروبا الفساتين وسراويل الجينز الممزقة والمثقوبة والمقطعة والمشققة، أنظر إليهن فأقول لنفسي يا سبحان الله، ويا خسارتنا!، بناتنا وأولادنا في الأرياف يمشون على الموضة منذ مئات السنين، ونحن لا نعرف. هذه أيضًا إمكانية سياحية جيدة، فلاحات على الموضة، تأتي البنت الغربية، مادونا أو كيلي أو جوليا روبرتس لعالمنا لتتفرج على بائعات اللبن يحملن أطباقًا منه على رؤوسهن ودشداشتهن مخزوقة على الموضة. قل مثل ذلك بالنسبة للقدمين، يأتي الأوروبي إلى هذه الشواطئ الدافئة في تونس والمغرب وشرم الشيخ لينزع حذاءه وليستمتع بالمشي حافيًا على الرمل والطين، هل من ملصق سياحي أروع من منظر بنت البلد لابسة الفوطة والطرحة، ولكن حافية القدمين، مشقوقة الثوب، والطين والوحل والوسخ يغطي وجهها ويستر على صدرها؟ «هلمّوا إلى شواطئنا، حيث يمشي الناس دون حذاء، وينامون دون أكل، ويشتغلون دون أجرة! ويفجرون أنفسهم بأوامر (داعش)».