الأربعاء، في الخامس والعشرين من مارس (آذار) 2015، الرياض كما هي في هدوئها، إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي على وشك أن تطوي أيامها، ليالي ممطرة في أغلب أنحاء السعودية، وعلى الحدود الجنوبية الطقس تغلبه الغيوم، وجبال شاهقة يدوي صدى أي صوت على أحاديث منازلها.
على جانب آخر، في اليمن، الأنباء ليست سارة، بلد مضطرب منذ الثورات العربية، وزاد اضطرابه بعد مغادرة علي عبد الله صالح السلطة، ونفثه للسموم داخل المجتمع اليمني، وتمدد حلفائه الحوثيين المدعومين من إيران في غالب مناطق الجمهورية، واحتلالهم صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، ووضعهم الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي، تحت الإقامة الجبرية، قبل أن يبلغ عدن الجنوب في فبراير (شباط) 2015، وينهي تذبذبات مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن، جمال بنعمر، المتهم فوق العادة بجعل اليمن على وقع ساخن.
الرياض، على المسار الأوحد، تنشط دبلوماسيا، منذ تولي الملك سلمان، حكم البلاد في أواخر يناير (كانون الثاني) حاولت تعديل مجرى الأمور في الجمهورية اليمنية بطرق السلم المتشعبة، فهي من جنّبت اليمنيين حربا أهلية بمبادرة ساندها أهل الخليج، في مبادرة وجدت التأييد الدولي في 2012.
في اليمن، قبل ساعات من انطلاق التحالف العربي، المخلوع علي صالح، ينطلق كـ«أمير حرب» تجتمع مصالحه مع مصالح الحوثيين الانقلابيين، الذين حاولوا إفشال المبادرة الخليجية، ومبادرات دولية مشكوك فيها. تعز تسقط بيد الحوثي، وصالح ومعاونيه مع الحوثي على مشارف عدن التي يتحصن فيها هادي، التي أصبحت عاصمة مؤقتة فيها سفارات خليجية وإسلامية وأوروبية.
ساعة الصفر.. شعلة الأمل
شيءٌ مختلف في أروقة الرياض يحدث، نشاط في الكتمان، منارات الأمل لأهل اليمن تُصنع في العاصمة السعودية، فقبل أسبوع من بدء عملية تطهير اليمن من تكوين مستعمرة إيرانية على حدود السعودية الجنوبية، قال وزير الخارجية الراحل، الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، محذرا: «إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي لأزمة اليمن، فإن دول المنطقة ستتخذ الإجراءات الضرورية من أجل حماية مصالحها بوجه العدوان» وسرعان ما كان القول فعلا، من عاصمة العرب الأولى التي قررت وحشدت في فترة وجيزة.
الساعة التاسعة مساء، بتوقيت الرياض، بيان خليجي جمع الكل عدا سلطنة عمان، في طريقه للإعلان، بعد أن صاغته القوة الخليجية لردع الانقلابيين الحوثيين وتحقيق أمن اليمن، لكنه تأجل، لساعتين، ومع إعلان البيان الخليجي كانت القوات السعودية في مهمة أكبر، استطاعت فيه الضرب الإلكتروني أولا والتشويش على أجهزة الرادارات الحوثية وألوية صالح، لتبدأ ساعة الصفر، بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، مع ساعات الفجر الأولى من يوم الخميس السادس والعشرين من مارس.
بيان خليجي: «قررنا ردع الحوثي والتنظيمات الإرهابية» بعد أن نفد صبر الخليجيين على تحقيق الأمن في اليمن بالطرق السياسية، وكشف البيان رسالة الرئيس عبد ربه منصور هادي للملك سلمان بن عبد العزيز، بعد أن تكشفت النيات الحوثية ومعها إيران من إجراء مناورات عسكرية بالأسلحة الثقيلة بالقرب من الحدود السعودية لتهديد أمن المنطقة.
من واشنطن، بعد دقائق من إعلان البيان الخليجي، وشنّ القوات الجوية ضرباتها، يظهر، عادل الجبير، السفير السعودي آنذاك، وزير الخارجية الحالي، في مؤتمر لم يدم سوى عشر دقائق، أشار فيه إلى أن تنسيقا بين الخليجيين أمّن انتقال الرئيس هادي إلى عدن، واستجابة الخليجيين وبناء على ميثاق الأمم المتحدة وآلية الدفاع العربي المشترك، فقررنا الاستجابة لنجدة اليمن، وأضاف الجبير أن القرار تلقينا فيه الدعم الأميركي، وعواصم غربية أخرى، وقال إن «العمليات تقتصر حتى الآن على غارات جوية على عدة أهداف» في وقت كانت باقي القوات العسكرية في حالة تعبئة، وجاءت رسائل الدعم للتحالف الخليجي الذي أصبح تحالفا عربيا، وأعلنت مصر دعم الجهود العسكرية، وكذلك المغرب والأردن والسودان، وتأييد كبير من باكستان وتركيا وبريطانيا وإيطاليا والائتلاف السوري، ودول إسلامية أخرى.
أسراب الجو.. في تحديات وتضحيات
الطيارون السعوديون، بدأوا ضرباتهم، متحدّين الأخطار الجوية، والتأثيرات السلبية للطقس فتجاوزوا الأخطار وحققوا المراد، قاصفين قاعدة الديلمي الجوية التي كانت بيد الحوثيين الذين تدربوا على قيادة الطائرات الحربية التي استولوا عليها من الشرعية اليمنية، بمشاركة المقاتلات الجوية التي حققت الهدف من العملية، كانت السعودية وطياروها أصحاب المشاركة الجوية الضخمة، بطائرات مقاتلة تجاوز عددهاالمائة طائرة، بينما كانت دول التحالف مشاركة بما يقرب من التسعين طائرة، حيث شاركت كل من: الإمارات 30 طائرة، الكويت 15 طائرة، البحرين 15 طائرة مقاتلة، قطر 10 طائرات، الأردن 6 طائرات، المغرب 6 طائرات، السودان 3 طائرات مقاتلة.
واستهدفت القوة الجوية مدارج الطائرات وعددا كبيرا من الطائرات، وتدميرا شاملا في غالب منصات إطلاق الصواريخ التي كانت موجهة نحو المملكة، وقصفت الطائرات مواقع الحوثيين في العاصمة صنعاء، وتدمير معظم الدفاعات الجوية الحوثية، وجميع بطاريات صواريخ سام، ومقرات الشرطة العسكرية والقصر الرئاسي والفرقة المدرعة الأولى والقوات الخاصة، وقيادة قوات الاحتياط في صنعاء، وقاعدة العند في لحج جنوبي اليمن، وأيضا مواقع عسكرية في صعدة، معقل الحوثيين، لتكون عاصفة السعودية حزما، وأصبحت جميع الأجواء اليمنية تحت سيطرة القوات السعودية.
محمد بن سلمان.. كاتب رسالة القوة
قبل أن تنطلق «عاصفة الحزم»، حذر الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وزير الدفاع، أحمد علي صالح، نجل الرئيس اليمني المخلوع، من التقدم إلى عدن في ظل ما يروج سابقا عن تحالف بينه وبين الحوثيين خاصة في معركة تعز، لكنه كان في غيابة الوهم، أن تنطق الرياض بالقوة، والحشد العربي والتأييد الدولي.
الأمير محمد بن سلمان، يدير الحرب، وأشرف على الضربة الجوية الأولى على معاقل الحوثيين في اليمن، حيث وصل إلى مركز عمليات القوات الجوية لقيادة العملية، ومتابعة التطورات، وبث التلفزيون السعودي لقطات للأمير محمد بن سلمان من داخل غرفة العمليات، التي كانت خلية كبرى من كل القوات في العمل العسكري.
لقطات متلفزة أخرى، عن زيارة ولي العهد وزير الداخلية إلى مقر مركز العمليات في الرياض، واستعرض تفاصيل الهجوم الذي استهدف مواقع الحوثيين، واطّلع من وزير الدفاع على تفاصيل الخطط والعمليات العسكرية، وذلك قبل انطلاق الطائرات السعودية مباشرة، تبعها استعداد سعودي داخلي في اجتماع أمني رأسه ولي العهد الأمير محمد بن نايف، بـ«أهمية تعزيز كل الإجراءات الأمنية على حدود المملكة وفي جميع المرافق العامة والمنشآت النفطية والصناعية، والتعامل بحزم مع كل من تسول له نفسه النيل من الأمن وتنفيذ الأنظمة بحقه».
كان حضور الأمير محمد بن سلمان، العسكري والسياسي كبيرا، لم يغب عن مشهد البدايات وتحفيز قواته التي أسهمت في وقت وجيز وخلال ساعات من بواكير الضربة الجوية من متابعة التعبئة العسكرية على الحدود السعودية مع اليمن، وبرز بلقاءات عدة مع وزراء دفاع ومسؤولين من دول شتى في سياق العاصفة والمهام لإعادة الشرعية في اليمن، وما كشفته العملية العسكرية في اليمن أن هناك قيادة شابة في السعودية، تعمل بإشراف الملك سلمان بن عبد العزيز، قادرة على اتخاذ قرارات كبيرة، ترفض تطويق البلاد بميليشيا تهدد أمنها، وتخلق الفوضى في الإقليم.
هادي.. رحلة تثبيت الشرعية من الرياض
حالت العملية العسكرية التي باشرها التحالف، دون سقوط عدن. كان ذلك سيؤدي إلى حرمان ما بقي من الشرعية اليمنية من مدينة مهمة تقيم فيها، خصوصا بعد استيلاء الحوثيين، على صنعاء وبعد التفافهم على تعز، في طريقهم إلى العاصمة الاقتصادية للبلد.
عبد ربه منصور هادي، يصل إلى الرياض على متن طائرة سعودية بعد أن نجحت قوة خاصة في تسهيل مروره نحو سلطنة عمان، ومنها توجه إلى العاصمة السعودية، بعد ساعات فقط من بدء عملية «عاصفة الحزم» وشن القوات الجوية حملتها الضاربة ضد الانقلابيين.
وبدأ هادي من مقر العمل المؤقت في الرياض، متابعة سير عمليات العاصفة العسكرية، ومتابعا عن كثب عبر الرسائل الميدانية في تحقيق الغايات التي هب من أجلها التحالف العربي، وهي إعادة الشرعية اليمنية، وأعلنها صريحة الملك سلمان أن الحملة مستمرة حتى يستقر الشعب اليمني، ومارس عمله مستقبلا المبعوثين وحاملي الرسائل الدبلوماسية، وأعيان مجتمعه وعددا من شيوخ قبائل اليمن وكبار قادة جيشه وقيادات المقاومة اليمنية.
وصل الرئيس اليمني إلى الرياض في 26 من مارس الماضي، وفي مقدمة مستقبليه ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ومن تلك الرحلة بدأت الحكومة اليمنية في ممارسة أعمالها مؤقتا من الرياض، حملت معها رسائل القوة والحزم السعودي مع بقية دول التحالف في طريق تخليصها من انقلاب الحوثي والمخلوع علي عبد الله صالح.
وبعد وصول هادي بيومين إلى السعودية، انطلق الرئيس الشرعي في رئاسة وفد بلاده في القمة العربية الأخيرة التي عقدت بمدينة شرم الشيخ بمصر، وتحدث خلال القمة أمام عدد من زعماء الدول وممثلين من منظمات إقليمية وعالمية وضيوف عليها، وتحدث عن صعاب وتحديات واجهته حتى يحضر للقمة، وإن كان حزينا على من فقدهم من رفاق جراء تعرضه لأكثر من هجوم أثناء رحلته من عدن، إلا أن تمثيل الكيان اليمني وإيصال صوت الشعب لأمته العربية كان الهدف الأهم. وقال هادي خلال كلمته: «حضرت إِليكم وقلبي يعتصر ألما وحسرة على وطني وشعبِنا العظيم الذي يحلم أبناؤه بوطن آمن ومستقر ويطمح لِغَد أجمل وأروع في ظل دولة مدنية اتحادية حديثة، تستلهم أسسها من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انقلبت عليه ميليشيات الحوثي وحلفاؤها في الداخل والخارج» داعيا حينها باستمرار «عاصفة الحزم» حتى تعلن ما سماها العصابة الاستسلام وترحل من المناطق التي احتلتها.
وقال حينها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في كلمته خلال القمة: «في اليمن الشقيق أدى التدخل الخارجي إلى تمكين الميليشيات الحوثية من الانقلاب على السلطة الشرعية، واحتلال العاصمة صنعاء، وتعطيل استكمال تنفيذ المبادرة الخليجية التي تهدف للحفاظ على أمن اليمن ووحدته واستقراره، وتحظى بتأييد عربي ودولي» وأضاف الملك سلمان في رسالة حتى يتحقق الهدف من «عاصفة الحزم» وهو عودة الشرعية في خطاب يحكمه العقل حتى لا يطول زمن العمل العسكري: «وفي الوقت الذي لم نكن نتمنى اللجوء لهذا القرار، فإننا نؤكد أن الرياض تفتح أبوابها لجميع الأطياف السياسية اليمنية الراغبة في المحافظة على أمن اليمن واستقراره للاجتماع تحت مظلة مجلس التعاون في إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها، وبما يكفل عودة الدولة لبسط سلطتها على كل الأراضي اليمنية وإعادة الأسلحة إلى الدولة وعدم تهديد أمن الدول المجاورة».
عاصفة حزم دبلوماسية
في ضوء ذلك، إضافة إلى الحرب العسكرية التي تقودها المملكة ضد الحوثيين وموالي علي عبد الله صالح، كانت مهمة دبلوماسية تقودها غالبية الدول العربية على الجانب الدبلوماسي، تمخضت عن موافقة مجلس الأمن الدولي على المشروع العربي المقدم، وإصدار قرار «2216»، وهو ما يعد غطاء قانونيا أمام المجتمع الدولي، وأيّد جهود دول الخليج ويدعم الرئيس اليمني هادي، وتنص أهم بنوده على سحب الحوثي قواته من جميع المناطق التي سيطرت عليها، والكف عن أعمال تعتبر من الصلاحيات الحصرية للحكومة اليمنية الشرعية، إضافة إلى الامتناع عن أي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض - أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراضي دولة مجاورة.
ارتباكات طهران
فاجأت «عاصفة الحزم» معسكر طهران، ليس فقط في القوة العسكرية، والسيطرة على الأجواء اليمنية، بل أيضا درجة التنسيق العالية في تعدد الأطراف المشاركة في العاصفة، والجهود السياسية التي استطاعت أن تؤمّن لها غطاء عربيا واسعا، وأن تضمّ إلى صفها عدة دول، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم في بيان إن هذا العمل العسكري يمكن أن «يزيد من تعقيد الوضع واتساع الأزمة». تهديد إيراني رسمي آخر توقف في تاريخه على عتبة الكلام بأن «دخان هذه النار سيرتد على السعودية لأن الحرب لا تنحصر في مكان واحد فقط، ونأمل في تعليق هذه العملية العسكرية فورا وتسوية المشكلة عبر الوسائل السياسية».
وذلك كله تكشّف بعد أن أحكمت القوات السعودية والتحالف على منافذ تهريب الإيرانيين للسلاح نحو الحوثيين، الأمر الذي أكده وزير الخارجية اليمني السابق رياض ياسين بأن الحملة العسكرية التي تشنها عشر دول عربية بقيادة السعودية نجحت في منع وصول طائرات إيرانية محملة بمعدات عسكرية إلى المقاتلين الحوثيين الذين استولوا على مناطق كبيرة في بلاده. ومعارك وضربات جوية في جميع أنحاء البلاد.
السعودية تعيد ترتيب الصف
كان السعوديون في زهو كبير، ومعهم من الداخل اليمني شعب أنهكه الحوثي وخراب صالح، القوات الجوية الملكية السعودية، تبدأ القصف، وتدك بعض مواقع الحوثي، سيطرت القوات الجوية السعودية على المجال الجوي في أقل من ساعة، وأفرزت المتاعب للحوثيين، وبدأت السعودية إدارة حربها لحماية أمنها الإقليمي وكسر شوكة الحوثيين، وأصبح اسم العملية «عاصفة الحزم» الأكثر تداولا ولتكون الشعار الكبير الأكثر حضورا حتى اليوم في عموم الرأي العام العربي.
وجاءت «عاصفة الحزم» لتكتب مرحلة مفصلية في تاريخ السعودية الحديث، بعد ضعف وهوان أصاب الشارع الإسلامي، ويأسا دام لعقود، قبل أن تنطلق عاصفة الملك سلمان لكسر الأطماع الفارسية وسياستها التوسعية التي ضربت دولا عربية ومنها العراق ولبنان وسوريا، بقوة العمل العسكري وإعادة ترتيب الصف العربي والإسلامي، وجعلت من المسارات السياسية والشعبية اتحادا تقوده الرياض، رسمته في ربى صنعاء قبل أن تصبح في تحكم طهران.