غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري
TT

ترامب يواجه فتاة الغابة الرأسمالية

أعتبرُ الكتابة عن كوكب المريخ الأميركي نوعًا من السباحة المفيدة في الفضاء. وأركز على المسرح الانتخابي، بفعل إفرازاته السامة التي وصلت إلى مستوى البذاءة في الحوار المتبادل بين مرشحي الرئاسة. في المقابل، فالفورة الداعشية تركز هي أيضًا على الربط بين العنف والجنس. دعاة الهوس الديني يبالغون بإغراء الشباب «الداعشي». فهو وحده الذي سوف يحظى بـ«الحور العين» في الجنة، فيما عليه أن يحصد في انتحاره، أكبر عدد من الضحايا الأبرياء.
السياسة الخارجية لا تحتل مكان الصدارة في حُمَّى الاهتمام الأميركي. لكن المتابعة العربية محتمة وضرورية، لمعرفة اتجاه المرشحين الأكثر حظًا في النجاح. لأنهم هم الذين سيتولون صياغة السياسة الأميركية في المنطقة العربية، بعدما ألحقت البطة العرجاء ساكنة البيت الأبيض أضرارًا بالغة بالعلاقة الأميركية مع العرب، بترددها. وتخاذلها، أمام إيران. وروسيا. وإسرائيل.
لأول مرة منذ عقود تاريخية طويلة، ينهار نظام الحزبين الذي احتكر الحياة السياسية. ففيما يحاول الحزب الديمقراطي المحافظة على تقاليده الليبرالية، بمساندة مرشحته المخضرمة هيلاري كلينتون (69 سنة)، يسعى منافسها السيناتور الديمقراطي العجوز بيرني ساندرز (76 سنة)، لتطعيم الحزب بآيديولوجيات الحداثة المستوردة من القارة القديمة أوروبا. وفي مقدمتها الاشتراكية الديمقراطية التي يعتبرها الحل الأمثل لحماية حقوق الإنسان الأميركي. ولتعزيز العدالة الاجتماعية بالمساواة بين الأميركيين في الحقوق والواجبات. ويهمه أن تستمر حركته اليسارية، حتى ولو سقط أمام هيلاري في الانتخابات.
هيلاري لا تواجه المرشح ساندرز الثائر على يسارها فحسب. فعلى يمينها، يبرز المرشح دونالد ترامب الذي هدم وراءه بيت «الفيل» الجمهوري الذي يجسد مصالح رجال المال والأعمال. والطبقة السياسية التقليدية. والغرابة في ترامب أنه يتفوق على سائر المرشحين الجمهوريين المحافظين، بقدومه من «بيت الخزف» السهل الانكسار، باعتباره مليونيرًا مقاولاً يملك فنادق. وعقارات. وملاهي. وأندية في لاس فيغاس عاصمة القمار في العالم. لكن لا أحد من هؤلاء المنافسين تجرأ (إلى الآن) على كسره! بل بعضهم يبدي استعداده لموالاته، إذا فاز بترشيح الحزب الجمهوري له!
كمعظم النساء، تخشى هيلاري عشوائية الحظ والقدر. فقد خطف باراك أوباما منها الرئاسة (2008)، ويهدد بخطفها منافسها ساندرز الديمقراطي وترامب الجمهوري. فهي كالساعة الرملية التي تخسر رمالها حبة فحبة، قبل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
يتهمها الاشتراكي ساندرز بأنها تقاضت من مصارف وول ستريت الكبرى 11 مليون دولار، لقاء محاضرات ألقتها على سماسرة المال هناك، بعدما زوجت ابنتها تشيلسي من سمسار يهودي بينهم. أما ترامب مرشح البيض البروتستانت، فيعيرها بأنها مرشحة الملونين، من أفارقة سود. ومهاجرين سمر قادمين من المكسيك وجمهوريات الموز في أميركا الوسطى والجنوبية التي تعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
الجدل السياسي بين هيلاري. وترامب. وساندرز يدور حول أنانية الربح والخسارة لدى كوكب المريخ من التجارة مع فقراء الكوكب الأرضي. فقد هوت معاهدات واتفاقات التجارة الحرة التي وقعها زوجها خلال رئاسته في التسعينات، بالرسوم الجمركية المرتفعة على السلع الصينية الرخيصة. واستقدمت العمال اللاتين الذين ساعدوا بأعمالهم اليدوية المتواضعة الاقتصاد الأميركي على الخروج من أزمته الخانقة (2008)، فيما سمحت لأصحاب الشركات الضخمة بنقل مصانعهم إلى حيث العمالة الرخيصة في آسيا. وأفريقيا. وأميركا اللاتينية.
تدافع هيلاري عن نفسها بالقول إنها في عصر العولمة، لا تستطيع أن تمنع حرية التجارة. ولم تهاجم المعاهدات التي عقدها زوجها، لأنها كانت ممنوعة من الكلام في السياسة، باعتبارها «السيدة الأولى» في أميركا. ويقف معظم خبراء المال والاقتصاد إلى جانب موقفها الليبرالي والوسطي، معتبرين الحماية الجمركية مضادة للحرية التجارية. وأدت إلى حربين عالميتين استهلكتا 125 مليونًا من البشر.
لكن الاشتراكي ساندرز والرأسمالي ترامب يوجهان مدافعهما الثقيلة إلى هذه المعاهدات. يقول ساندرز إنها أجَّلت رفاهية العمال الأميركيين الذين لم تتحسن أجورهم بالازدهار الاقتصادي النسبي.
أما «الرئيس» ترامب فيهدد بطرد ملايين العمال اللاتين الذين لم يحصلوا على الجنسية الأميركية. ويتهمهم «باغتصاب» بنات أميركا الشقراوات. ويطالب المكسيك ببناء جدار على حدودها لمنع هجرة عمالها الفقراء إلى الولايات المتحدة. ويهدد أصحاب المصانع المهاجرة بفرض ضرائب باهظة، إذا لم يعيدوا مصانعهم إلى الوطن، لتشغيل الملايين من ناخبيه البيض أصحاب السترة الزرقاء (القليلي الخبرة والكفاءة).
مرشحو الرئاسة في المريخ لا يعرفون شيئًا عن السياسة على السطح الساخن للكرة الأرضية. كل ما يريده ساندرز أن يؤمن شباب أميركا بحركته الاشتراكية، بعد هزيمته المحتمة أمام هيلاري. ترامب يؤمن بنظرية المؤامرة. فهو يعتقد أن أوباما مسلم وولد خارج أميركا. ويطالب العرب بمحاربة «داعش» وتسليم حقول النفط إلى شركات النفط الأميركية. ويعتبر نسف المركز التجاري في نيويورك من صنع «الدولة العميقة». ويتوعد المسلمين بمنعهم من زيارة أميركا. ولا يعرف أن ترحيل عمال أميركا اللاتينية يكلف تريليون دولار. ويحتاج نقلهم إلى مائة ألف باص.
الفرنسيون يعتبرون ترامب مسليًا على الشاشة أكثر من مباريات زيزو (زين الدين زيدان) وميسي. ورونالدو. العنصري جان ماري لوبين «سيصوت» لترامب لأنه يريد أن يكون رئيسًا أميركيًا «عظيمًا» كرونالد ريغان الذي انتقل إلى «البيت الأبيض»، بعدما مثل فيلمًا في هوليوود مع الشمبانزي بونزو. الإنجليز لا يريدون استضافة ترامب، لأن شوشة شعره الأمامية تذكرهم بهتلر الذي قصفهم في الحرب العالمية الثانية.
العرب الغاضبون على أوباما ينتظرون نوفمبر بفارغ الصبر: «ليصوتوا» لهيلاري التي تبدو واقعية وخبيرة أكثر من كل مرشحي الرئاسة في المريخ، على الرغم من دخولها مجلس الشيوخ من بوابة نيويورك اليهودية. فقد دعت هيلاري إلى تأديب بشار الكيماوي (الذي لم يحصل). وأيدت حرب بوش على صدام. وخاب أملها بعدما سلم العراق إلى عملاء إيران. وهي مع التدخل في ليبيا ضد «داعش». وفي سوريا ضد روسيا وإيران التي هددتها ذات يوم من المريخ بمحوها من سطح الكرة الأرضية، إذا هي أطلقت صاروخًا نوويًا على إسرائيل.
يكفي العرب أن المرشحة الرئاسية هيلاري زوجة الرئيس بيل كلينتون الذي لم ينتخبوه. فقد صوتوا لبوش الأب الذي لم يعرف كيف يكتسح الانتخابات. ويفوز بأغلبية 99 في المائة. وهم معجبون بهدوء وصبر هيلاري على مغامرات زوجها مع المراهقة اليهودية مونيكا لوينسكي. عندها دعوه إلى إلقاء المحاضرات لديهم. استمعوا إليه بإصغاء بلا صفير. لم تعجب معظمهم آراؤه في الحرية والديمقراطية. فلم يعملوا بها. لكن دفعوا بسخاء ثمنها.