حذّر مراقبون وخبراء من متابعي تحركات «داعش» الإرهابي المتطرف من تزايد اعتماد التنظيم على الأطفال للقيام بعمليات انتحارية. ويشير هؤلاء إلى أن التنظيم المتطرف يستغل الأطفال للنفاذ إلى أهدافه بسهولة، الأمر الذي قد يجبر السلطات الأمنية على تعميم إجراءات تمس بالأطفال لتفادي هذه الثغرات.
ويلفت الخبراء إلى أن التنظيم غرر بالأطفال، بدعوى الفوز بالجنة والاستشهاد، في تحد واضح لسنن الكون، رغم أن الله أعفى الصغار الفاقدي الأهلية من أي تكليف قبل سن التعقل، مؤكدين لـ«الشرق الأوسط» أن «داعش» غيّر من استراتيجيته بتوظيف الأطفال كبدلاء للعناصر القتالية، وذلك لإيمان التنظيم بأن أرواح الصغار تعد ثمنًا هينًا مقابل خسارة أي عنصر من عناصره. فضلا عن كونه يحتاج للكثير من عناصره لحماية توسعاته الجديدة والأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا.
مع تزايد تجنيد «داعش» للأطفال الصغار للقيام بعمليات إرهابية، أكدت دار الإفتاء في مصر أن «داعش» يستغل النزعة الدينية لدى الصبية ويسيطر على الآباء ويُجبرهم على إقناع أبنائهم بتفجير أنفسهم لنشر أفكار التنظيم المتطرفة. وحذر الأزهر في القاهرة «من تداعيات إقحام الأطفال والقُصر في أعمال قتالية دامية والقيام بهجمات انتحارية في أماكن متفرقة من العالم».
وفي مشهد أفزع العالم كله، كان قد أطل طفل صغير لا يتعدى الـ11 من عمره قبل أسبوع، يحتضن أباه في ريف حلب بالشمال السوري، ثم يتسلق سيارة محملة بأطنان من المتفجرات بعدما علّمه والده كيف يقودها؟، ثم قبل الطفل يد أبيه قبل الرحيل، ليمضي الطفل بعيدا في مهمة انتحارية، ويفجّر نفسه فيها. حسب الخبراء، لم تكن هذه العملية التي تمت وأعلن عنها «داعش» في ريف حلب هي الأولى، إذ سبق أن بث التنظيم، أخيرًا، مقطعًا مصورًا لطفل معصوب الرأس يضغط زرًا للتحكم عن بعد كي يفجر سيارة فيها ثلاثة من المتهمين بالتجسس على التنظيم الإرهابي. وقال الخبراء والمراقبون إن «داعش» دأب على إرسال أطفال في مهام صادمة وقتالية لتصوير للعالم الخارجي بمدى قوته القتالية.. وإن «هناك عشرات من الهجمات الانتحارية استخدم فيها داعش أطفالا ومراهقين تم بثها عبر داعش خلال الفترة الماضية».
دار الإفتاء مصر قالت، بدورها، إن «التنظيم يستغل النزعة الدينية لدى الصبية ويحولهم لمتسرّعين ومتهوّرين لا يستطيعون التمييز بين الصواب والخطأ». ولفتت إلى أن التنظيم يغرس في نفوس أعضائه عقيدة التفجير، حيث ينقلونها لأبنائهم، مستغلين ثقة هذه النشء في آبائهم، وأنهم هم من يرون لهم طريق الصواب الذي يختم لهم بالجنة، في وقت يكون فيه ولاء الآباء للفكرة والاقتناع بها.. أهم عندهم من خوفهم على الأبناء.
وقال مسؤول في دار الإفتاء لـ«الشرق الأوسط»، إن «تجنيد الأطفال لتنفيذ العمليات الانتحارية نابع من كون الطفل أسهل في الإقناع من الكبار من عناصر التنظيم، الذين بدا لأغلبهم تضليل التنظيم لعناصره الآن، بعدما اكتشفوا زيف مزاعم التنظيم الإرهابي على الأرض».
ومن ناحية أخرى، يرى مراقبون أن «التنظيم نشر الشهر الماضي سلسلة صور دعائية، تُظهر أبا يودع ابنه قبل أن يتمنطق بحزام ناسف، لتضاف إلى مجموعة كبيرة من صور المديح على مواقع الإنترنت، توضح كيف يستخدم الأطفال في العمليات القتالية والمواجهات على الأرض ضد المدنيين في العراق وسوريا».
في غضون ذلك، يرى مصدر في الأزهر أن «حب التقليد لدى الصغار قد يكون من بين الأسباب التي تساعد الداعشيين على إقحامهم للقيام بالعمليات الانتحارية، عقب القيام بتجنيد هؤلاء القُصر، الذين يرون في حمل السلاح واستعماله بطولة وفدائية يطمحون إلى تحقيقهما»، لافتا إلى أن ما عرضه التنظيم من مشاهد مصورة لطفل يذبح «دُمية» وآخر يحمل السلاح ويرتدي زي المقاتلين، يعكس حرص «داعش» على تأهيل القُصّر ليصبحوا أكثر قدرة على إراقة الدماء، ومن ثم يستخدمهم في تنفيذ مخططه في العمليات الانتحارية التي قد يعتمد التنظيم عليها بشكل كبير مستقبلاً. وتابع أن «التنظيم يلجأ للأطفال في العمليات الانتحارية لإنتاج انتحاريين جُدد، ولبعد احتمالية الاشتباه بهم من قبل سلطات الدول، خلال قيام الأطفال بأي عمليات غير متوقعة».
وأكد المصدر في الأزهر أن ما يقرب من «ثلاثة آلاف طفل يتدربون راهنًا في معسكرات التنظيم في سوريا والعراق ويطلق عليهم (أشبال الخلافة) وتتراوح أعمارهم من 5 إلى 15 سنة.. ويرى تدريبهم على القتل وقطع الرقاب وكيفية التمنطق الأحزمة الناسفة».
من جهة أخرى، يفيد مصدر مطلع في الأزهر التقته «الشرق الأوسط» بأن «داعش» يعتمد على غسل أفكار الصغار بإقناعهم بأن القتال جهاد في سبيل الله، بعدها يتم شرح بعض المفاهيم الدينية عليهم وتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم بالخطأ، التي تدعو للجهاد في سبيل الله وفي سبيل دولة «الخلافة المزعومة».. وكل هذا بهدف إقناعهم بأنهم سيموتون شهداء وسيفوزون بالجنة.. كما يُعرضون الأطفال لمشاهدة رجال تقطع أيديهم وأرجلهم، ويعلمونهم أن هذا بسبب كفرهم وحربهم ضد - دولة «داعش» المزعومة -، لافتا إلى أن «داعش» غير من استراتيجيته، فبدلا من الاعتماد على عناصر للقيام بعمليات انتحارية، بات يلجأ للأطفال للقيام بعمليات انتحارية، لأنه في حاجة إلى جنود لحماية توسعاته في الكثير من الدول.. أما الأطفال فلن يؤثر مقتلهم على التنظيم في شيء.
وأضاف المصدر أن «التنظيم يوظف الأطفال في صفوف (داعش) بدلاء للعناصر القتالية؛ لإيمانه بأن أرواح هؤلاء الأطفال الصغار تعد ثمنًا هينًا مقابل خسارة أي عنصر من عناصره القتالية، فضلا لكونه يحتاج للكثير من عناصره لحماية توسعاته الجديدة والأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا». وللعلم، سبق أن لقي 11 طفلا على الأقل حتفهم خلال عمليات لـ«داعش» جرت في يناير (كانون الثاني) الماضي، مقارنة بستة فقط في الشهر نفسه من العام الماضي.
ومن جانبه، قال الدكتور أحمد سمير، وهو أكاديمي وإعلامي مصري، إن «داعش» إنما «يعيد استخدام الأطفال في الحروب والمعارك مثلما كان يحدث قديمًا. وتجربة الحرب العراقية الإيرانية ليست ببعيدة، فكلا الجيشين قام بتجنيد الأطفال للعمل كمقاتلين في الجيش، إبان الحرب المُمتدة لمدة ثمان سنوات، في انتهاك واضح لكل المواثيق الدولية التي تمنع ذلك وتحرمه».
وعن أن ما يقوم به «داعش» يعد انتهاك للطفولة، قال سمير «إن الأطفال وقت الحروب والقتال هم الضحية طيلة الوقت، ضحية لأنهم الحلقة الأضعف بين ضحايا التنظيم الإرهابي، ضحية لأنهم حين يقع عليهم قرار بعض (المهاويس) من (داعش) بتجنيدهم، يكونون أسهل الطرق لتنفيذ عمليات انتحارية على الأرض».
وحول اختيار «داعش» للأطفال، أكد سمير، وهو أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، أن «الطفل وجه بريء وكيان رقيق، يمكنه النفاذ إلى الأهداف بسهولة، لا يحتاج إلى التدريب على خداع الطرف الذي يريد قتله، فهو بطبيعته وسجيته وابتسامته كفيل بالوصول إلى الهدف، وكفيل بتنفيذ عملية لا يعرف مداها ولا خطورتها.. وبالتالي لا مجال للفشل، هو بالنسبة لداعش عنصر مطيع يكفل نجاح للعمليات بنسبة عالية لا يمكن تحقيقها في الغالب بالطرق التقليدية». وأردف أن «هذه التجربة التي تقوم بها «داعش» الآن تستلهم فكرة «المماليك» سبايا الحروب من الأطفال، الذين كانوا يربّون في ظروف قاسية ليعملوا منذ نعومة أظفارهم كمقاتلين محترفين، بكل ما يعنيه هذا من اغتصاب للبراءة، وانتهاك للمعاني الإنسانية». ولفت إلى أن «التشوه الذي يصيب الطفل في هذا الإطار لا يتوقف عند تشوهات سلوكية؛ بل يتعداها لتشوهات فكرية وعقدية ونفسية، خاصة إذا ما جرى ربط هذا الفعل الإجرامي بالعقيدة أو المشاعر الدينية.. وعبر هذا الإجراء تتحول حواضن (داعش) إلى (مفرخة مماليك) جُدد، تُنتج مجموعة من الكائنات المشوهة التي تم غسل أدمغتها ودفعها نحو أذى النفس والغير بدعاوى باطلة».
ومضي الدكتور أحمد سمير شارحًا: «إن داعش يسير على طريق حركة طالبان في استخدام الأطفال في العمليات الانتحارية. ورغم خلو التاريخ الإسلامي من فكرة العمليات الانتحارية؛ فإنها تمكنت في ضمير بعض المتطرفين لأسباب متعددة». وأضاف أن «الانتحاري شخص عاقل مُكلف، درس وفكّر وقرّر ودبّر، وعليه فهو يتحمل مسؤولية قتل نفسه أمام الله.. أما الطفل الذي يعد فاقدًا للأهلية، لا يعي؛ بل لا يستطيع أن يفهم أو يدرس أو يفكر أو يقرر أو يحيط بالصراع الدائر مع (داعش). ولا يمكن بحال تصور أن تتوافر لديه إرادة الفعل على الإطلاق.. إنه ضحية بريئة لتنظيم قرر أن يقتله ضمن من يستهدفهم، لمجرد أنه طفل، تكلفته أقل، يوفر فرص نجاح أعلى للعملية، يوفر دماء المقاتلين الكبار».
وتابع الأستاذ في الأزهر «إننا في هذا الصدد أمام حالة قتل ممنهجة تتم بدم بارد، يروح ضحيتها أطفال كانوا في أصل وجودهم تحت سيطرة (داعش) ضحايا كذلك، تحكم فيهم بعض ناقصي العقل والضمير (أي داعش).. بعض من أصيبوا بهوس الحرب وجنون الدماء، ليجعلوهم (أي الأطفال) وقودا رخيص الثمن والتكلفة في أتون حرب مستعرة لا تهدف في حقيقة الأمر إلى قيام دولة ولا نزاع على أرض ولا سلطة؛ بل فقط لاستمرار التناحر بين المسلمين، وتأكيد حالة الصراع في هذه المنطقة ودعمها لأطول فترة ممكنة، مهما كان الثمن.. حتى لو كان هذا الثمن.. أرواحا بريئة لم تذق معنى الحياة بعد».
«داعش» يبني أمجاده على جماجم الأطفال
خبراء: غرروا بالأطفال في تحد لسنن الكون والله أعفاهم من التكاليف قبل التعقل
«داعش» يبني أمجاده على جماجم الأطفال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة