الحوثية.. وجفاف المصادر الفكرية

«خمينية» في ثوب زيدي

الحوثية.. وجفاف المصادر الفكرية
TT

الحوثية.. وجفاف المصادر الفكرية

الحوثية.. وجفاف المصادر الفكرية

شأن كل الحركات الجبهوية، أو المذهبية المتشددة، تعاني الحركة الحوثية من فقر نظري وجفاف مرجعي، رغم نشأتها الباكرة التي تزيد على خمس وعشرين سنة، أي منذ تأسس تنظيم «الشباب المؤمن» على الشعار الثوري الإيراني «الموت لأميركا والموت لإسرائيل»، وذلك بإيعاز من الشيخ الوالد الراحل بدر الدين بن أمير الدين الحوثي عام 1990. وهذا رغم تأخر تأثير ابنه حسين الحوثي حتى عام 2000 بعد عودته من سفراته إلى السودان عام 1999.
لكن في النهاية، وخاصة بعد نجاح الحوثي الابن في بلورة جماعته ولفظ المعارضين الأكثر اعتدالا له خارجها، انفصل بغالبية مراكز تنظيم «الشباب المؤمن» وقواعدها كونه الأكثر راديكالية والأكثر تقليدية في اتباع الاتجاهات الأكثر تشددًا في الموروث الزيدي وكذلك في المعاصر الإمامي المعاصر. ونجح في احتواء معارضة أئمة الزيدية في اليمن، وخاصة المرجع الزيدي مجد الدين المؤيدي (توفي عام 2007)، في اعتراضهم على الجنوح الحوثي للإثني عشرية والتأثر بالثورة الإيرانية ونظام «ولاية الفقيه» وفقدان سمة الاعتدال الزيدي التاريخية في خطابهم.
لا يحتاج التشدّد لكثير من الأدبيات، بل لتكرار الشعارات وعاطفيتها، خاصة، إذا انفرد بأبناء طائفة دون منافسة عليها، بينما يحتاج الاجتهاد والتجديد للكثير يمكننا أن نرصد ثلاث علامات على الفقر النظري والمرجعي لدى الحركة الحوثية، كونها تنحصر أدبياتها الآيديولوجية هذا الفقر في أن مصادر الحركة الفكرية تكاد تنحصر في أربعة مصادر تحديدًا، هي كما يلي:
أولا: التشدّد السلالي (بدر الدين الحوثي)
عُرف عن بدر الدين الحوثي - توفي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 - الكثير من التشدد والتعصب المذهبي، فهو ممن يرفض الترضية على «الشيخين» أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، وتبعه في ذلك ابنه حسين الحوثي، وهو كذلك لا يترضى على أم المؤمنين عائشة بنت الصديق (رضي الله عنها).
كذلك هاجم الحوثي الأب الصحيحين والسُّنَن في كثير من مؤلفاته، واتهم الإمام البخاري ومسلمًا بالتقول والكذب على رسول الله إرضاءً للسلاطين؛ ومنه ورث ابنه حسين هذا المذهب، وسار عليه أنصارهم وأتباعهم!
وتشير المعلومات إلى أن بدر الدين الحوثي تقدّم في عام 1996م باستقالة جماعية مع أبنائه، معلنًا انتهاء أي علاقة له بحزب الحق، على خلفية خلاف بينه وبين المرجع المذهبي مجد الدين المؤيدي. ومن ثم، تفرّغ الحوثي الأب وأبناؤه لتنظيم «الشباب المؤمن»، الذي توسّع في صعدة وذمار وعمران وغيرها ملحًا على الولاية لآل البيت ومنتحيًا نحو الإمامية الثورية بعيدًا عن الزيدية المعتدلة.
ثانيًا: التشدّد المركّب عند حسين الحوثي
ترك حسين الحوثي (1959 - 2004) عددًا من الدروس والأفكار المبعثرة، التي تشي بتشدّده التقليدي والسياسي معًا، والتي وجدت تأثيرها بعد عودته لليمن عام 2000 وإطلاقه في 17-1-2002 شعار الثورة الإيرانية «الموت لأميركا والموت لإسرائيل» من قاعة مدرسة الإمام الهادي في مَرّان بصعدة، وطلب من الحضور أن يردّدوه.
ولقد رأى حسين الحوثي نموذجًا ملهمًا له فهو الإمام الذي عرف الموالاة والمعاداة، والذي أعلن «البراءة من أميركا، البراءة من المشركين، البراءة من إسرائيل». والتزم الحوثي دعوة الخميني لـ«يوم القدس العالمي» واحتفل به، كما كان يصف حسن نصر الله بأنه «الرجل الذي هزّ أميركا».
عقديًا يرى الحوثي كفر من لم يؤمن بالنص على خلافة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في حياة النبي (صلى الله عليه وسلّم)، ويتخذ موقفًا متشددًا من كبار الصحابة، ويرى كل مَقاتل الطالبيين من سيئات عمر وأبي بكر (من تفسيره سورة المائدة - الدرس الأول) وأن إمامة أبي بكر شرٌ ما زال المسلمون يعانون منه. ورغم نحوه نحوًا سياسيا في رسالته «الوحدة الإيمانية» نجده يعتبر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزءًا من مؤامرة اليهود على الإسلام، شأنها في ذلك شأن القاديانية والبهائية. والأخطر، أنه لا يتصوّر الوحدة للمسلمين غير وحدة منهج، فعلى كل مخالفيه أن يتركوا اعتقاداتهم ويلحقوا بدعوته هو فقط.
وفي رسالة «الموالاة والمعاداة» يتجلى فقه الولاء والبراء الحوثي، فالمعاداة يجب أن تكون لكل من خالف منهج آل البيت. ويمتد بمعاداته من أميركا وإسرائيل، كما هو الشعار الثوري الخميني، حتى بعض أمهات المؤمنين، وكل من قاتل عليًّا أو أحدًا من الأئمة.
كان التكوين والفكر الذي يحمله حسين الحوثي جبهويًا بامتياز، يعدّ العدة للمواجهة ولفرض إمامة سلالة آل البيت. ولم تكن إلا مرحلة حين وقعت الحرب الحوثية الأولى عام 2004 التي لم يردها وأرسل يتودّد لعلي عبد الله صالح برسالة قبلها قال له فيها: «نحن لا نعمل ضدكم، ونقدّركم تقديرًا كبيرًا، وما أعمله إنما هو انطلاق من الواجب الديني والوطني ضد أعداء الدين والأمة أميركا وإسرائيل، فلا تصغوا لتهويل المغرضين والمنافقين واطمئنوا من جانبنا فنحن لا نكيد لكم ولا نتآمر عليكم» (نبذة عن الحرب الأولى - ملازم حسين الحوثي).
ثالثًا: الوثيقة الفكرية والثقافية لعبد الملك الحوثي
أصدر الحوثيون في 23 فبراير (شباط) 2012 وثيقة تضمنت مبادئهم ومنطلقاتهم في الاعتقاد وأصول الدين وسائر المسائل الفقهية والسياسية، تستلهم منهج المؤسس ووالده وتصر عليه في الفصل بين الزيدية وبين السنة وعموم المسلمين، والتوجّه نحو الغُلاة من الإمامية والتشيّع السياسي.
ولقد خرجت بتوقيع عبد الملك الحوثي، الزعيم الحالي للحركة، وآخرين ينصّون فيها اعتقاد الإمامة حسب التسلسل الزيدي، حيث تقول الوثيقة «الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أخوه ووصيّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين». كما تفرض الخروج، وتعتقد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن الأهم هو اعتقادها في الولاء والبراء، وفرضية الجهاد نصرة لآل البيت.
أيضًا تقول الوثيقة «وما قد يقع من النقد للعلماء لا يقصد به علماء أهل بيت رسول الله وشيعتهم العاملين ولا علومهم، وإنما من لا يرى وجوب الجهاد للظالمين ولا يوجب أمرًا بمعروف ولا نهيًا عن منكر بل يرى السكوت وطاعة من لا تجوز طاعته». وتؤكد في موضع آخر على أن «الجميع متفقون على منهج أهل البيت عليهم السلام في أصولهم وعقائدهم التي مضى عليها الأئمة الهداة من فجر الإسلام إلى زمننا هذا» ولا تصح عندهم سنة - كما كان عند الوالد بدر الدين - إلا سنة آل البيت - فهي المرتبطة بالهداة من آل محمد كأمناء عليها في اعتماد الصحيح من غيره».
أما أصول الفقه فتنص الوثيقة على أن «ما كان منه مخالفًا للقرآن الكريم أو بدلاً عن آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع وما كان منه موافقًا للقرآن ويستعان به على فهم النصوص الشرعية في إطار آل محمد». وأما بالنسبة للاجتهاد فما كان منه يؤدي إلى التفرّق في الدين والاختلاف في معرفة الله وغيره من أصول الشريعة أو إلى مخالفة نهج الآل الأكرمين أو إلى الإضرار بوحدة المسلمين وتكوين الأمة التي أمر بها رب العالمين: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) - آل عمران الآية 104 - أو مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة فهو اجتهاد مرفوض لا نقره ولا نرضاه بل هو مفسدة في الدين.
رابعا: التشيّع السياسي والثورة الخمينية
كان للثورة الخمينية أثرها على الفكر الحوثي بشكل واضح، ليس فقط عبر زيارات بدر الدين الحوثي وابنه لطهران وإقامته فيها سنوات، ولكنه أيضا تأثر يعبر عنه استراتيجية إيران في دعوة الفرق الشيعية الأخرى للعودة إليها والتقارب معها بحجة «عودة الفرع لأصله» الديني، أو المبدأ السياسي الذي أعلنه الخميني أولَّ عقيدة يعتقدها «تصدير الثورة». وهو ما مثّل جسورًا للتقارب والتأثير والتأثر والدعم الإيراني لصحوة الحوثي وتحوّلاته.
لقد خرج الخميني في غيبة الإمام الذي يعد شرطًا عند الإثني عشرية، لكن الخروج لا ينتظر عند الزيدية، حيث يقوم الفكر الزيدي القائم على فكرة الخروج ومواجهة حكام الجور، منذ خروج الإمام زيد بن علي المتوفى سنة 122 هجرية، وصولاً لـ«حزب الحق» الذي كان بدر الدين الحوثي وأبناؤه من مؤسّسيه.
كذلك انبهر الحوثي بالفكر الخميني، ونشط في تجنيد الشباب الذي بلغ عددهم عند وفاته أكثر من 18000 شاب، فأنشأ لهم الحوزات العلمية على النمط الإيراني، وكانت الثورة الخمينية مادة ومنهجا يدرس فيها. وتشير الإحصائيات إلى أنه افتتح أكثر من ستين حوزة في اليمن وزّعت على النحو التالي: في صعدة وحدها 24 مركزا، وفي عمران 6 مراكز، وفي المحويت 5 مراكز، وفي حجّة 12 مركزًا، وفي الأمانة 5 مراكز، وفي ذمار 7 مراكز، وفي إب مركز واحد، وكذلك تعزّ، بينما افتتح في محافظة صنعاء 4 مراكز.
ثم إنه تأثر بتجربة حزب الله وسائر حركات الإسلام السياسي في إقامة المخيمات الصيفية، وتنظيم الندوات والمحاضرات والدروس؛ ونشر الكثير من «المَلازم» والكتب التي تروّج لفكره. بل تجاوزها إلى تحريض أتباع المذهب الزيدي على اقتناء الأسلحة والذخيرة تحسّبًا لمواجهة الأعداء من «الأميركيين واليهود»، واقتطاع نسبة من الزكاة لصالح المدافعين عن «شرف الإسلام» والمذهب!! عامدًا إلى الدفع بشبابه «الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 سنة» لإظهار ثقله الديني والسياسي بالتظاهر في معظم المساجد وعقب صلوات الجمعة وترديد شعاراتهم ضد إسرائيل وأميركا. وبلغ الأمر في إحدى المظاهرات سقوط قتلى أثناء مسيرة نظمها التنظيم باتجاه سفارة الولايات المتحدة إبان الحرب على العراق، عام 2003م.
كذلك أحيا حسين الحوثي الاحتفال بـ«يوم الغدير» الذي منعته الحكومة اليمنية بعد «ثورة سبتمبر»، متبعا السنة الإيرانية والإثني عشرية في هذا الشأن، وهو ما كان تأكيدًا على الحضور والتأثر بالخمينية في اليمن.
وحقًا، يتجلى الانتماء الحوثي لإيران في قوله «إن كل من وقفوا ضد الثورة الإسلامية في إيران في أيام الإمام الخميني رأيناهم دولة بعد دولة يذوقون وبال ما عملوا. من وقفوا مع العراق ضد الجمهورية الإسلامية، والتي كانت ولا تزال من أشد الأعداء للأميركيين والإسرائيليين حيث كان الإمام الخميني رحمة الله عليه يحرص جدًا على أن يحرّر العرب ويحرّر المسلمين من هيمنة أميركا ودول الغرب ويتجه للقضاء على إسرائيل، لكن الجميع وقفوا في وجهه، ورأينا كل من قفوا في وجهه كيف أنهم ضربوا من قبل من أعانوهم، ومن كانت أعمالهم في صالحهم، الكويت ضرب والعراق ضرب» (حسين الحوثي: خطر دخول أميركا اليمن - ملزمة ص 3). وقال الحوثي في أحد احتفالاته بـ«يوم القدس العالمي» عن الخميني أنه «رحمة من الله على الأمة العربية، ونعمة لم يستفد منها العرب، ولم يراع العرب هذه النعمة بل وقفوا ضده وحموا أميركا وإسرائيل منه».
ختامًا، اختلط التعصّب المذهبي بالتشيع السياسي ومحاولة التماهي الكامل مع نظام الولي الفقيه في إيران في فكر مؤسس الحركة الحوثية وأخلافه. وشأن حسن نصر الله، أمين عام حزب الله في لبنان، يجري الاستناد والتبرير للثورة والخروج بلغة سياسية تستغل الأزمات القطرية أو القومية أو تحرير فلسطين، ولكنه في الحقيقة يظل عميقًا هذا الشوق لمنصب الإمام المرشد وتحقيق حلم تصدير الثورة عند الجميع.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.