أصبح من المعروف على نطاق واسع أنه عندما تغلي دماء الغضب في عروق إيمانويل أديبايور، فإن النتائج قد تكون مدمرة، خصوصًا بالنسبة له شخصيًا. كان مهاجم كريستال بالاس قد قضى 10 سنوات مرتبطًا بالكرة الإنجليزية، أو منفيًا منها، مرت خلالها الكثير من اللحظات العاطفية المؤثرة. ويتمتع اللاعب بلمسة نهائية مميزة ساعدته على إحراز 97 هدفًا ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز - ولا يتفوق عليه في ذلك سوى واين روني وجيرمين ديفو، من بين اللاعبين الذين لا يزالون بالملاعب حاليًا.
على الجانب الآخر، تلقى اللاعب بطاقات حمراء، بجانب تورطه في مصادمات مع زملائه وخصومه، مما حمل كثيرًا من التداعيات كان بينها تعرضه للإقصاء. وعلى ما يبدو، ليس بمقدور اللاعب المنتمي إلى توغو التعامل سوى بأسلوب متطرف.
ولا يمكن لأحد أن ينسى أداءه الشرس في صفوف مانشستر سيتي أمام ناديه السابق آرسنال في سبتمبر (أيلول) 2009، عندما دهس زميله السابق روبين فان بيرسي واحتفل بهدف أحرزه عبر العدو على امتداد الملعب بأكمله كي ينزلق على الأرض أمام جماهير آرسنال التي كانت تشجع فريقها خارج أرضه. وكان من شأن ذلك إعلانه عدوًا للنادي الذي انضم إليه قادمًا من موناكو في يناير (كانون الثاني) 2006، وكان ذلك بمثابة أول مؤشر على ما بدا لاحقًا نهج عام بحياته وأسلوب تعامله مع الآخرين - فعندما يرحل أديبايور عن نادٍ إنجليزي، فإن ذلك يحدث في ظل مشاعر سخط وغضب.
وجاء رحيله من مانشستر سيتي في صيف 2011، في البداية على سبيل الإعارة على مدار الموسم إلى توتنهام هوتسبير وبعد إعارة لمدة خمسة شهور لريال مدريد، بعدما جرى إبلاغه بأنه لن يشارك في جولة الفريق قبل انطلاق الموسم. وقد رفض لاحقًا المشاركة في التدريب مع لاعبي الاحتياطي والناشئين. ورغم ما سبق، كان رحيله عن توتنهام هوتسبير الأكثر مرارة على الإطلاق. وكما هو متوقع أنه مع عودته إلى ملعب وايت هارت لين معقل توتنهام في صفوف كريستال بالاس، الأحد، لخوض مباراة في إطار الدور الخامس من بطولة كأس الاتحاد، عايش اللاعب مجددًا كراهية جماهير النادي له. جدير بالذكر أن مشجعي توتنهام هوتسبير كانوا ينشدون أغنية أعدوها خصيصًا لأديبايور لدى انتقاله إليهم تحمل إشارة لناديه السابق آرسنال، وتقول كلماتها: «أديبايور.. أديبايور، لقد اعتدنا كراهتك وأنت مع آرسنال، لكن هذا لم يعد الحال الآن»، إلا أن الأمور تبدلت من جديد، ورغم السعادة التي ترفرف فوق وايت هارت لين في الوقت الحالي مع احتلال الفريق بقيادة المدرب ماوريسيو بوكيتينو بوتشيتينو جدول ترتيب مسابقة الدوري الإنجليزي الممتاز، فإن هذا لم يعفِ أديبايور من مواجهة موجة غضب جماهيري متوقعة.
ويمكن النظر إلى الفترة التي قضاها اللاعب البالغ 31 عامًا في صفوف توتنهام هوتسبر باعتبارها تنقسم لمرحلتين، اتبعت كل منهما نهجًا أصبح مألوفًا لمتابعي أديبايور. بادئ الأمر، قدم أديبايور بداية جيدة في ظل قيادة المدرب هاري ريدناب وسجل هدفًا في أول مشاركة له مع النادي وأنجز موسم الإعارة مسجلاً 18 هدفًا، قبل أن ينصب عليه غضب المدرب أندريه فيلاس بواس وينتهي الحال بإقصائه من الفريق الأول. وبدأت المرحلة الثانية بشكل متألق في ظل قيادة المدرب تيم شيروود، وسجل هدفًا في أول مشاركاته بعد عودته للتشكيل الأساسي، وبلغ إجمالي عدد الأهداف التي سجلها 14 هدفًا خلال الموسم قبل أن يغضب عليه المدرب الجديد بوكيتينو وينتهي به الحال من جديد منفيًا خارج صفوف الفريق الأول. أما اللحظة التي أشعلت غضب قطاع من مشجعي توتنهام هوتسبير فجاءت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، بعد هزيمة الفريق على أرضه أمام ستوك سيتي بهدف مقابل هدفين. وكانت تلك الهزيمة الرابعة خلال خمس مباريات بالدوري الممتاز داخل استاد وايت هارت لين، مما أثار غضب الجماهير بشدة.
وكعادته، تناول أديبايور الأمر بصراحة فجة، متحدثًا عن الجو العام السلبي داخل الاستاد وجماهير توتنهام، الذي يشكل ضغطًا بالغًا على اللاعبين، بل وأضاف أنه من الأفضل اللعب بعيدًا خارج أرض النادي. وقال: «بصراحة، أعتقد ذلك. على الأقل حينها سأكون مدركًا لأنني سأواجه غالبية المشجعين داخل الملعب وهم يطلقون صيحات استهجان ضدي، وليس مشجعينا نحن - وأنا هنا لا أتحدث عن نفسي، وإنما نيابة عن جميع اللاعبين. عندما تلعب على أرضك وتبدأ جماهيرك في إطلاق صيحات الاستهجان ضدك في غضون دقائق قليلة من بدء المباراة، يصبح الأمر أشد ألما. ورغم أن أديبايور كان يقصد من وراء هذه التعليقات إطلاق صرخة توعية بالأمر لضمان تحرك جميع الأطراف المعنية في الاتجاه الصحيح، فإنه جرى تفسيرها من قبل البعض باعتبارها هجومًا ضد الجماهير، ودائمًا ما تسفر هذه الأمور عن تداعيات سلبية. من تلك اللحظة، بدأ مستوى أديبايور في التراجع ووجد المدرب بوكيتينو صعوبة متزايدة في تجاهل مطالبات البعض بإشراك هاري كين في التشكيل الأساسي. ومع ذلك، كان من اللافت أن أديبايور لم يشارك بعد ذلك سوى في خمس مباريات على امتداد الفترة المتبقية من الموسم، مع المشاركة منذ البداية بواحدة منها فقط - أمام شيفيلد يونايتيد في دور قبل النهائي بمباراة الذهاب ببطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة على استاد وايت هارت لين. وقد تعالت صيحات استهجان من قبل الجماهير ضد أديبايور خلال اللقاء.
عندما تهدأ الأعصاب وتنقشع غمامة الغضب، غالبًا ما يسعى أديبايور لشرح موقفه أو الاعتذار. بعد شجاره مع زميله في آرسنال، نيكلاس بيندتنر داخل الملعب في يناير (كانون الثاني) 2008، خلال مباراة أمام توتنهام هوتسبر قرب نهاية بطولة كأس كارلينغ، وهو شجار أسفر عن قطع بأنف بيندتنر، سارع أديبايور لتقديم اعتذار علني. وفعل المثل بعد حادثة احتفاله الشهيرة بتسجيله هدف لصالح مانشستر سيتي بمرمى آرسنال، أمام مدرجات جماهير الأخير. وعن هذا الموقف، قال: «أحيانا تغلب العاطفة على المرء»، ولم يكن في نية أديبايور إهانة جماهير توتنهام هوتسبير بعد مباراة ستوك سيتي، لكن عندما تناول الأمر في مارس (آذار) الماضي، بدا واضحًا الجانب العنيد من شخصيته، حيث قال: «لا أدري إن كان عدم إشراكي في المباريات عقابًا أم لا، لكن ما أعلمه جيدًا أن هذه هي شخصيتي، وهذا هو أنا، وإذا ما رأيت ضرورة قول شيء فيه إصلاح لمستقبل النادي، فإنني أقوله».
تكمن جذور قناعات أديبايور في مكانته المتميزة كقامة كروية عملاقة على مستوى القارة الأفريقية، وهو لاعب انتقل من الفقر المدقع إلى الثراء والشهرة. وكان منزله في طفولته مجرد مسكن من غرفتين في لومي من دون سقف، لكن مع تقاضيه أجرًا أسبوعيًا أساسيًا يبلغ 100 ألف جنيه إسترليني أو ما يزيد على مدار السنوات السبع الماضية، فإنه يملك عدة عقارات الآن وسيارات - علاوة على كونه من المقربين من رئيس توغو. وهناك الكثيرون داخل توغو، وفي غانا المجاورة، حيث يملك اللاعب منزلاً فخمًا، يعتبرونه أكثر أهمية من الرئيس، وبالتأكيد هؤلاء ممن يقدم إليهم أديبايور دعمًا ماليًا. وأحيانا يعقد مقابلات داخل مقر إقامته في إيست ليغون، وهي ضاحية متميزة من العاصمة الغانية، أكرا، حيث يصطف الناس بالخارج لبضعة أيام أحيانا رؤيته. ويقدم لهم أديبايور النصح والمال.
وفي تصريحات له في أعقاب خسارة كريستال بالاس أمام واتفورد بهدفين مقابل هدف على استاد سلهرست بارك معقل كريستال بالاس، السبت قبل الماضي، قال أديبايور: «صدقوني، الكثير من مالي يعود إلى الوطن وإلى أعمال الخير. وعلي كسب المال لإنقاذ أرواح في أفريقيا. أيضًا، من العوامل المؤثرة في شخصية أديبايور التجارب الحياتية الدراماتيكية التي خاضها، والتي بلغت ذروتها في مشاحنات أسرية تجلت في اتهامه لوالدته في نوفمبر 2014 بصب لعنة سحرية عليه. كما لم تخلُ حياته من عنصر المأساة، حيث فقد شقيقه بيتر ونجا من هجوم مسلح على حافلة الفريق الوطني لتوغو قبل انطلاق بطولة الأمم الأفريقية عام 2010، أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص». وفي تصريح له عام 2013، قال أديبايور: «لقد مررت بأوقات عصيبة، لكن علي المضي قدمًا لأن الوضع كان يمكن أن يصبح أسوأ بكثير. لقد رأيت أناسًا يموتون أمام عيني، ورأيت آخرين بأسلحة في وجهي. كما تعرضت لمعاملة سيئة من جانب 30 ألف شخص (يقصد داخل الاستادات). وأتعامل مع كل ذلك كجزء من حياتي. ورغم أنني أسمع أحيانًا عبارات أشعر بأنها شديدة القسوة، لكن بمجرد عودتي لمنزلي لزوجتي وطفلتي الصغيرة ترتسم الابتسامة على وجهي من جديد».
الآن، يشارك أديبايور في صفوف كريستال بالاس تحت قيادة المدرب آلان باردو، الذي يعتبر المدرب رقم 15 الذي يعمل معه على مستوى الأندية. وأخيرًا قال إن جميع المدربين الذين تعاملت معهم (ربما باستثناء واحد أو اثنين، سيؤكدون لك أن لديّ تأثيرًا إيجابيًا على باقي أقراني بالفريق»، ورغم ما سبق، يبقى من المؤكد أن أديبايور قدم أفضل رد فعل ممكن لأولئك الذين تعاملوا بعه ببعض الود، مثل أرسين فينغر في آرسنال، وجوزيه مورينهو في ريال مدريد، وريدناب وشيرود في توتنهام هوتسبير. الواضح أن اللاعب يحرص على رد الجميل لأولئك الذين يقفون إلى جواره، بل ويصل الأمر أحيانًا إلى حد الطاعة المطلقة، فعلى سبيل المثال، نصحه مورينهو أثناء مشاركته مع ريال مدريد بأن يقص شعره. وبالفعل، التزم أديبايور بما قاله مورينهو. إلا أن ذلك لا يعني أن أديبايور يتلقى الأوامر من أي شخص - وللتأكد من ذلك، ليس عليكم سوى الرجوع إلى رئيس توتنهام هوتسبير، دانييل ليفي. الواضح أن أديبايور خصم عنيد، وقد صمد في وجه ليفي خلال فترة إقصائه الثانية داخل توتنهام هوتسبر، والتي انتهت في 13 سبتمبر عندما وصل لتسوية بخصوص العام الأخير من عقده، وبعث له برسالة واضحة بحرصه على الدخول إلى النادي للتدريب في سيارة بالغة الفخامة يقودها سائق خاص».
ويبدو أن أديبايور عاشق للبدايات الجديدة، ويتمتع بسمعة كبيرة بقدرته على التعامل معها بنجاح، حيث سبق أن أحرز أهدافًا خلال أولى مشاركاته مع آرسنال ومانشستر سيتي، وكان على وشك تحقيق الأمر ذاته مع كريستال بالاس في الدقيقة الأخيرة من عمر المباراة التي شهدت هزيمة الفريق على أرضه أمام بورنموث، بداية الشهر، بهدفين مقابل هدف واحد. وقد تألق أديبايور على نحو لافت خلال ثالث مشاركة له مع كريستال بالاس - أمام واتفورد. تجدر الإشارة إلى أن موسمه الثالث مع آرسنال الذي أحرز خلاله 30 هدفًا كان الأغزر إنتاجا في مسيرته الكروية. كما تميز خلال الموسم الرابع والأخير له معهم بحسن السلوك على نحو ملحوظ. وستبقى الكرة التي مررها من فوق رؤوس لاعبي الخصم في فياريال خلال لقاء دور الثمانية في مباراة الذهاب من بطولة دوري أبطال أوروبا، حية بالأذهان لفترة طويلة.
أديبايور.. مهارة نادرة امتزجت بشراسة متناهية
عاش طفولة بائسة قبل أن يعرف الثراء والشهرة ويصبح صديقًا لرئيس توغو ويساعد الفقراء
أديبايور.. مهارة نادرة امتزجت بشراسة متناهية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة