حزب الله يتحكم في القرار السياسي بسطوة سلاحه.. لا بقوة تمثيله

خياراته منذ 2006 قوضت بنية الدولة ومؤسساتها الدستورية

حزب الله يتحكم في القرار السياسي بسطوة سلاحه.. لا بقوة تمثيله
TT

حزب الله يتحكم في القرار السياسي بسطوة سلاحه.. لا بقوة تمثيله

حزب الله يتحكم في القرار السياسي بسطوة سلاحه.. لا بقوة تمثيله

لم تكن الأزمة السياسية التي وقع فيها لبنان مع دول الخليج العربي، لا سيما المملكة العربية السعودية، وليدة ساعتها، لكنها مبنية على «تراكمات نتيجة سياسة (حزب الله) المتفرّدة والمتحكّمة بمؤسسات الدولة وبقراراتها بفعل سلاحه الذي بات صاحب الكلمة الفصل في كل استحقاق»، وفق ما يؤكده الفريق السياسي المناهض للحزب في لبنان، وعلى رأسه تيار المستقبل، الذي يحمّل حزب الله المسؤولية المباشرة عن ضرب علاقات لبنان بأشقائه العرب، وضرب مصالح مئات آلاف اللبنانيين الذين يعملون في السعودية ودول الخليج.
ولا يختلف اثنان على أن «هيمنة الحزب على القرارات السياسية في لبنان غير مرتبطة بتمثيله المحدود جدًا في الحكومة (وزيران) وفي البرلمان (11 نائبًا)، إنما تعود إلى سطوة سلاحه الذي يمكّنه من فرض إرادته على الحكومة ومجلس النواب والإدارات الرسمية بكاملها»، كما يقول عضو كتلة المستقبل، جمال الجراح، الذي اعتبر أن الحزب «تحول إلى ميليشيا مسلحة، ولم يعد ممكنًا اعتباره حزبًا سياسيًا، فهو بقوة سلاحه وهيمنته على الأرض وتحالفه مع (رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب) ميشال عون، و(وزير الخارجية) جبران باسيل الذي هو من فريق عون، بات يتلاعب بالسياسة الخارجية للبنان، خلافًا للدستور والميثاق الذي يقول إن لبنان عربي الهوية والانتماء وهو مع الإجماع العربي».
وأكد الجراح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «سيطرة حزب الله على وزارة الخارجية من خلال جبران باسيل جعلته يتفرّد بالمواقف الخارجة عن الإجماع العربي، ويقف مع إيران رغم ارتكابها جريمتها في حرق السفارة السعودية». وقال: «كان من المفترض أن يصدر قرار عن مجلس الوزراء يدين الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، ويؤكد الإجماع العربي، لكن للأسف استبدلت بكلمة الإجماع العربي (المصالح المشتركة)، بمعنى أن لبنان بات خارج الإجماع العربي، وكأنه بات بلدًا آخر له مصالح مع العرب، وهذا أمر خطير جدًا ويخالف الدستور الذي يؤكد عروبة لبنان، ويخالف إرادة اللبنانيين الذين يريدون وطنهم ضمن المنظومة العربية في كل القضايا».
من جهته، أكد لقمان سليم، مدير «مركز أمم للأبحاث والتوثيق» المعارض لحزب الله، أن «التاريخ سيؤرّخ هيمنة سلاح الحزب الذي لم يعد بالإمكان الحديث عنه من دون نسبه أمًا وأبًا». وأوضح، لـ«الشرق الأوسط»، أن عام 2005 «شهد تحولاً كبيرًا عبر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، لكنه شهد للأسف اعترافًا كاملاً بأن حزب الله هو جزء من النظام، وهذا ما ترجم بالحلف الرباعي (تيار المستقبل، وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل) في الانتخابات النيابية». معتبرًا أن «هذا الحلف شكّل خطيئة مميتة، وليس خطأ عاديًا، لأنه منذ ذلك الحين بدأ حزب الله يؤسس لما نشهده من هيمنة اليوم».
وشدد عضو كتلة المستقبل على أن «حزب الله يريد الهيمنة على كل المؤسسات ويمنع انتخاب رئيس الجمهورية ويريد إسقاط مؤسسات الدولة والاقتصاد، لتبقى الدولة مجرد هيكل من دون مضمون يهون عليه السيطرة عليها»، معتبرًا أن «المثال الأبرز على هيمنة حزب الله على الحكومة والمؤسسات هو زير الخارجية جبران باسيل الذي خرج عن الأصول الدبلوماسية وعن الإجماع العربي، حتى بعد اجتماع الحكومة الأخير والبيان الذي صدر عنها الذي يؤكد التزام لبنان مع التضامن العربي، خرج (باسيل) ليقول أنا ما زلت عند موقفي ومع المحور الإيراني».
وعزا الجراح قدرة سيطرة حزب الله على الدولة إلى «السلاح الذي بدل أن يوجه إلى إسرائيل، بات مصوبًا إلى صدور اللبنانيين وإلى صدر الشعب السوري، وبات هذا السلاح يضرب الأمن والاقتصاد ويقطع أرزاق اللبنانيين في دول الخليج العربي»، مشيرًا إلى أن «مشاركة الحزب في معارك سوريا هو لحماية النظام المتحالف مع تنظيم (داعش) في كل سوريا، بينما يعرف القاصي والداني أن السعودية هي من تحارب الإرهاب قولاً وفعلاً».
إلى ذلك، ذكّر لقمان سليم بـ«تحكّم حزب الله في الحياة السياسية في لبنان منذ عام 2006 عندما خرج مع وزراء حركة أمل من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بسبب اتجاه الحكومة لإقرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وإصداره فتوى شرعية تحرّم دخول أي شيعي إلى الحكومة، وبعدها انقلاب 7 أيار مايو 2008، وفرض اتفاق الدوحة عبر الثلث المعطّل في الحكومة ومن ثم الانقلاب عليه، وصولاً إلى الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري مطلع عام 2011 وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بقوة السلاح».
وحمّل سليم فريق «14» جزءًا من «مسؤولية ما آلت إليه الأمور اليوم، حين وافق في عام 2006 على أول بيان وزاري يتضمّن ما سمي معادلة (الجيش والشعب والمقاومة)، حيث اشتقّ حزب الله يومها شيئًا من الشرعية ضمن الشرعية اللبنانية، وأعطى مسوغًا لسلاحه الذي تساوى مع سلاح الجيش اللبناني، في وقت لا يملك أي طرف آخر سواء تيار المستقبل أو القوات اللبنانية أو الكتائب أو غيرها هذه الخصوصية».
صحيح أن وجود الحزب في الحكومة محدود جدًا (وزيران)، لكن لا قيمة للعدد مقابل الإمساك بالقرار السياسي، بحسب رأي لقمان سليم، الذي اعتبر أن «حزب الله زرع داخل كل طائفة طابورًا خامسًا». وسأل: «أليس التيار الوطني الحرّ طابورًا خامسًا تمكن بمساعدته من الانقلاب على حكومة سعد الحريري وفرض حكومة ميقاتي؟». مؤكدًا أن «هذا التنظيم لديه أجندة غير لبنانية، ولذلك كلما أعطيته القليل أمعن في التوغل وطلب الكثير، ولعلّ عشر سنوات من الشذوذ عن القاعدة الدستورية ومسايرة هذا التنظيم المسلح أوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.