قراءة في العقليتين الشفاهية والتدوينية

نيازي يوجه انتقادات لاذعة لأبرز الشعراء والنقاد واللغويين

قراءة في العقليتين الشفاهية والتدوينية
TT

قراءة في العقليتين الشفاهية والتدوينية

قراءة في العقليتين الشفاهية والتدوينية

صدر عن منشورات «الاغتراب الأدبي» بلندن كتاب جديد للناقد صلاح نيازي يحمل عنوان «العقليتان الشفاهية والتدوينية ومقالات أخرى». يضمّ الكتاب النقدي 18 مقالة تتمحور على نقد الشعر، والرواية، والسيرة الذاتية، ومراجعات لكتب أجنبية وعربية، وثلاث مداخلات كتبها خصيصًا للبينالي الشعري العالمي في مدينة لييج البلجيكية، إضافة إلى دراستين معمّقتين للعقليتين الشفاهية والتدوينية اللتين تصدرتا هذا الكتاب المُكتظّ بالآراء والنظرات النقدية اللافتة.
أفادَ نيازي من تجربته الشخصية في الغرب ورصدها عن كثب منذ انتقلَ من بغداد إلى لندن عام 1963. فالأولى شفاهية، والثانية تدوينية. عرف البريطانيون التدوين منذ عصر النهضة، ثم ترسّخت العقلية التدوينية عند مجيء الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر واستمرت إلى يومنا هذا. أما العرب والمسلمون فقد عرفوا العقلية التدوينية في العصر العباسي لكنها سرعان ما انتهت بسقوط بغداد على أيدي المغول لتحلّ الشفاهية محلّها مع هيمنة الإمبراطورية العثمانية حتى مجيء الاستعمار البريطاني الذي أعاد الروح للعقلية التدوينية التي انهارت حينما اندحر عبد الرحمن البزاز الذي كان يتمترس وراء خلفية قانونية قوّضها طاهر يحيى بدبابة قبل أن يئِدها صدام حسين إلى الأبد ويرِث من الصحراء شفويتها.
لا تخلو معظم المقالات من انتقادات لاذعة لأبرز الشعراء والنقّاد واللغويين. وفي هذه المقالة يعيب على الجواهري في «بائعة السمك» وبلند الحيدري في «الطريق إلى بيروت» استلافهما صورًا شعرية من الصحراء، ويعيدان إنتاج ما سبق إنتاجه! لا ريب أن نيازي محق في انتقاده.
في مقال آخر يبحث نيازي عن مكمن صعوبة اللغة العربية وسبب ترهّلها. ويتساءل إن كانت هذه الصعوبة في اللغة نفسها، أم في طريقة التدريس، أم في المناهج المُقررة للتلاميذ؟ السبب، من وجهة نظر نيازي، لا يكمن لا في اللغة ولا في طرق التدريس، وإنما في كمية المعلومات غير الضرورية التي تُعطى للتلاميذ.
يفرد نيازي مقالاً خاصًا عن كثرة استعمال واو العطف في الكتابة الأدبية ويرى فيها ترهلاً ونُعاسًا وتخديرًا. ويعتقد بأن الجملة العربية تستقيم من دون هذه الواو التنويمية. «فالجُمل كالبيوت، في الظاهر متواصلة، إلا أن لكل بيت شخصية متفردة ومزاجًا خاصا». ويسجل نيازي في هذا المقال عددًا من النماذج لكتابات ابن المقفع، وطه حسين، والعقاد ويستنتج بأنها تخديرية، استعلائية مثقلة بالروان، وأن الإفراط في استعمالها يقلل من شخصية الجملة، ويُنهك حيويتها، ويجعلها سردية خالية من الفزع والمفاجأة. يدرس نيازي سبب غياب واو العطف في سورة «الرحمن» وحضورها اللافت في سورة «التكوير» لاثنتي عشرة مرة، وهي دراسة علمية مقنعة تستحق الإشادة والتنويه.
لم تفلت من نيازي بعض الهنات التي ارتكبها اللغوي الجليل د. إبراهيم السامرائي، ولم تشفع له جهوده المبثوثة في أكثر من 150 كتابًا تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، لأنه نفى وجود كلمة «المِدّة» في اللغة العربية مع أنها موجودة في كل المعاجم القديمة والحديثة. كما أنكر وجود كلمة «ضكّ» بمعنى الضيق وهي موجودة في الفيروزآبادي والمعجم الوسيط. لم يغمط نيازي حق السامرائي بوصفه باحثًا في علم اللغة الاجتماعي، حقل تجلّيه وتفرّده، ولم يجعل هذا الحقل مهمازًا يرعب القرّاء كما فعل مصطفى جواد في «قل ولا تقل»، وهذه الإشارة لنيازي طبعًا الذي ضرب عصفورين بحجر واحد. ثم توقف عند كتاب «العربية بين أمسها وحاضرها» مستعرضًا بعض فصوله المهمة التي لقيت صدى طيبًا في نفسه ويأسف لضيق المساحة التي تمنعه من متابعة الفصول برمتها.
يراجع نيازي ثلاثة كتب أجنبية مهمة جدًا وهي «الليل والخيل والبيداء» لروبرت إرْونْ، و«صلاح الدين وسقوط بيت المقدس» لستانلي لين بوول، و«العين البريئة» لهربرت ريد وهي نموذج للقراءة النقدية المتفحصة التي تلتقط أهمّ المحاور التي تقوم عليها هذه الكتب الثلاثة، حيث يرى فرادة الكتاب الأول في دعوة القارئ إلى الحديقة المسحورة، فالكتاب سياحة فكرية يتنافس فيه المبدع الروائي مع المبدع الأكاديمي. أما الكتاب الثاني فهو أمثولة احتذاها حتى الكُتاب العرب وحذوا حذوه في الأسلوب والاقتباس والاستنتاج. أما «العين البريئة» فهي «تحفة من التحف» التي قال عنها غراهام غرين: «إنها من أروع استحضارات الطفولة في لغتنا». وهي للمناسبة تدور حول السنوات التسع الأولى من حياته، وما السنوات اللاحقة إلا مجرد تنويعات عليها لا غير!
يختلف نيازي عن غالبية مجايليه من النقاد بقدرته في تحليل النصوص الشعرية والإمساك بجوهرها عبر المنظورية، وتقنية الحواس، والألوان، كما فعل في دراسته عن البريكان. وهو يحثّ النقاد على كشف علاقة البريكان بأبيه، ومعرفة اهتمامه بالفلسفة، وحبّه للموسيقى الكلاسيكية، وإعجابه الشديد بطاغور. وأكثر من ذلك فقد كان البريكان خطاطًا ورسامًا الأمر الذي أغنى قصيدته شكلاً ومضمونًا.
يشير نيازي إلى أن البريكان استلف ثلاثة عناصر أساسية من القرآن الكريم وهي «الظلمات، النور، والرياح» لكنه لم يصنع منها شيئا جديدًا لكن ما يلفت النظر في شعر البريكان ونثره، بحسب نيازي، هو «عباراته المثقلة برنين سحيق لا يتأتى إلى أحد إلا بعد طول تأمل وتنقير في الأساليب القديمة». إذن، ثمة إقرار باختلاف شعر البريكان عن غيره من الشعراء لكن من أين جاء هذا الاختلاف؟ من الرسم أم الموسيقى أم السينما التي كان يبرع في تحليل أفلامها لبعض أصدقائه؟ بخلاف البياتي الذي كان يتأثر بـ«المَشاهد البصرية» ويترك تحليل الأفلام لمحبيها والمنقطعين إليها.
يعترف نيازي، في مكان آخر، بأن سمير نقّاش هو أول من نبههُ إلى ريادة مراد ميخائيل للشعر المنثور «حسب تعبير الرصافي» بالعراق عام 1922. وأن الرصافي قد هزّه في ذلك التاريخ الشعر المنثور فبعث برسالة إطراء إلى محرر الصحيفة شاكرًا إياه على ترويج هذا النمط الشعري الجديد. لا يحلل نيازي قصائد مراد ميخائيل وإنما ينوّه إلى كثرة أسئلتها الوجودية، ونهاياتها القلقة الحائرة، ولا يقينية شاعرها. لا تقتصر ريادة مراد على الشعر وإنما امتدت إلى القصة القصيرة كما يذهب الباحث عبد الإله أحمد فهو أول من كتب قصة فنية في العراق تحمل عنوان «شهيد الوطنية، شهيد الحُب» ونشرها في صحيفة «المفيد» عام 1922. كما استدل على الشعر المنثور من قراءاته لأشعار طاغور، ونسج على منوالها.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.