سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

المملكة العربية السعودية مفاجأة العقد القادم

حين وضعت الولايات المتحدة تحديدا سيناريو منطقة الشرق الأوسط الجديد، كان سقوط دول خليجية هو قبة التاج التي يعلن بسقوطها عن نهاية حقبة وبداية أخرى لشرق أوسط جديد، وسايكس بيكو بنسخته الجديدة.
كانت بالنسبة لهم دول آيلة للسقوط وجاهزة وناضجة، حساباتهم ودراساتهم وتحليلاتهم التي قدمت لهم كانت تقودهم لهذا الاستنتاج.
لكن، هذه الدول ومن ضمنها السعودية لم تخيب ظنهم فحسب، بأنها صمدت وقاومت، لا بل فوجئوا بانتفاضة غير متوقعة تماما أن السعودية دعت لقيادة حلف إسلامي وتحالف عربي، وأعلنت الحرب على مشروع إسقاط الدول العربية لا إسقاطها هي فحسب!!
وهذا كان خارج نطاق التوقع بتاتا، كان مفاجأة غير متوقعة تخالف حساباتهم تماما، بل خارج حسابات حتى الدول العربية ولا أبالغ أنه خارج حساباتنا نحن أهل الخليج.
هذا الدور القيادي الذي تقلدته السعودية الآن لم يتوقعه أحد منا، لا عجزا أو قلة إمكانيات منها، إنما لأن المملكة العربية السعودية رغم إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية وثقلها الديني والسياسي والجغرافي، فإنها تجنبت وتمنعت لعقود طويلة، ولم تطلب هذا الموقع القيادي وتركته لمصر، وحتى حين حاولت دول أخرى كالعراق أو ليبيا في غياب مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد أن تلعب هذا الدور، ما كانت السعودية منافسا لها، ولكن القيادة قدر أحيانا، ومسؤولية تفرض نفسها وتضطر صاحبها أن يتقلدها.
فالسعودية الآن بثقلها الديني والاقتصادي، وبموقع كموقعها ومساحة جغرافية كمساحتها، شاءت أم أبت، ستلعب دورا قياديا عالميا لا عربيا فحسب، هذا هو قدرها.
قبل أيام كتب فهمي هويدي مقالا في صحيفة السفير عن (تقولات) البعض بأن السعودية ستلعب هذا الدور القيادي، وأقر بتراجع مصر قياديا، وأقر بتراجع دول (الماء) كما سماها عبد الله بشارة أمين عام مجلس التعاون السابق، ويقصد بها مصر ولبنان والعراق وسوريا، وصعود نجم دول النفط، إلا أنه لم يتمكن من تقبل فكرة أن تقود دول الخليج وعلى رأسها السعودية، العالم العربي والإسلامي، وأرجع ذلك إلى أن دول الخليج ليس بها سكان (كفاية)!!
(إن دول الخليج تعاني خللا خطيرا في تركيبتها السكانية يؤثر في استقرارها في الأجل البعيد)، ثم أضاف سببا آخر لعجز دول الخليج عن القيادة (إن دول الخليج وهي تتصدر المشهد العربي، وتمسك بزمام القرار العربي، تعاني من الخوف والقلق من محيطها الخارجي، خصوصا بعد التدخل الإيراني في اليمن، ورغم أنها دول تتصدر قائمة الدول الأكثر إنفاقا على التسليح..... ).
هويدي يقول باختصار بأن دول الخليج ليس بها سكان ودول خائفة من إيران، وتعتمد على الحماية إلخ...!
ولو قال هويدي هذا الكلام قبل أحد عشر شهرا أي قبل 26 مارس (آذار) عاصفة الحزم لكنا اتفقنا معه، ولكن يبدو أن المفاجأة عقدت لسانه هو الآخر، كما عقدت لسان إيران وكل من رسم سيناريو المستقبل على أساس أن السعودية ستظل تتمنع عن لعب دور قيادي.
نعذره إن تجاهل تماما متغيرات أدهشت العالم بأسره، فالسعودية قادت حلفا عربيا عسكريا منذ اليوم الذي أعلن فيه عن عاصفة الحزم ودخلت حربا، وسقط من أبنائها شهداء ومن أبناء الإمارات والبحرين ومن المغرب ومن السودان، نعذره إن لم يستوعب بعد أن السعودية بعد سنة من إعلان الحلف العربي عاصفة الحزم ستعقد أول اجتماع تنسيقي لحلف إسلامي عسكري، وأعلنت أنها ستدخل سوريا برا... أمعن النظر يا أستاذ فهمي ثم أرجع البصر مرتين، هل ترى من فتور؟!! لا نلومه فالمفاجأة أربكته.
نعلم أن القيادة ليست حالة ترفيه في هذا الوقت وهذه المرحلة، إنما ثبت أن تمنع السعودية بخيارها وبقرارها عن لعب هذا الدور أضر بها وأضر بالمنطقة بأسرها، وترددها عن المنافسة أعطى قراءة خاطئة لمن يقرأ المشهد الخليجي، فأرجع هذا القرار لضعف أو عجز أو فراغ ديموغرافي وعسكري وسياسي كما قال هويدي، ولنقر أنه كان قرارا خاطئا.
أدركته إدارة أوباما متأخرة بعد أن أخذت قرارا بالتراجع عن قيادة تحالفاتها الدولية، وأعلنت أن استراتيجيتها تكمن في التراجع عن الدور القيادي الذي لعبته منذ الحرب الباردة، وأنها تحبذ العودة للتفكير بأميركا «كدولة» لا «كإمبراطورية» وترهن أمنها الداخلي ضمن حدود الدولة السيادية، والثانية أن ترهن أمنها الداخلي بقيادتها لتحالفاتها الدولية، ولم يستوعبوا أن جزءا كبيرا من مكتسباتهم «كدولة» لا في تحقيق الأمن فحسب، بل حتى في فتح الأسواق كان مصدره ما جنته الولايات المتحدة من دورهم القيادي «كإمبراطورية»، وهذا ما أدركته المملكة العربية السعودية مؤخرا أن القيادة رغم ثمنها، فإنها السبيل الوحيد لتحقيق أمنها، السعودية أقرت مؤخرا أن القيادة قدرها.