خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

للأسماء طرائفها

لا تحمل الأسماء الشخصية عند الغربيين أي معانٍ واضحة لأبنائهم. لا يفهم الواحد منهم أي شيء من اسم إيريك أو كريس أو توني مثلاً. لكن أسماءنا العربية تحمل دائمًا معاني واضحة ومفهومة لدى الجميع تقريبًا، مثل صالح أو عادل أو حميد.. وهلم جرًا. تسبب ذلك في كثير من المقالب وأحيانًا سوء الفهم، لا سيما ونحن لا نستعمل كما يستعمل الغربيون حرفًا كبيرًا لأول حرف من الاسم ليميزه عند الكتابة كاسم علم.
هكذا ضجت القاعة بالضحك عندما قدمت المذيعة الزعيم الفلسطيني إميل حبيبي، فقالت: «يسعدني أن أقدم لكم الأستاذ حبيبي».. أحمد الله أنها لم تقل «أميل» إليه.
وكما قلت، تترتب على ذلك الكثير من المقالب والمواقف المثيرة للضحك. كان أحد الوعاظ يحذر جمهور المصلين في الجامع من استعمال الكومبيوتر والتليفون الجوال. قال: «ترى المرأة، ابنتك أو أختك أو زوجتك، منهمكة في كتابة رسالة. تنظر إليها فترى وجهها يتألق، وثغرها يتبسم وهي تكتب كل حرف من الرسالة، وأنت على غير علم بما كانت تطبعه على الشاشة. ما الذي كانت تكتبه في الرسالة؟ ما الذي كانت تقوله؟ ولمن كانت تكتب الرسالة بهذا الشغف والحرص؟ أقول لكم وأسألكم.. لمن كانت تكتب.. نعم... كانت تكتبها للحبيب. أي والله للحبيب».. فسارع الحاضرون ليرددوا بصوت واحد وخشوع تام: «اللهم صلِ وسلم عليه».
حدث مثل ذلك في بغداد بعد انتفاضة 1948 وتسلم الشيخ محمد الصدر رئاسة الحكومة العراقية. جرت اجتماعات وندوات سياسية عديدة في شجب معاهدة بورتسموث، كان منها اجتماع في جامع الحيدرخانة في شارع الرشيد. صعد أحد المتكلمين إلى المنبر وراح يخطب في حماس وحمية، واستشهد بالبيت الشهير عن الشعب العراقي:
نحن قوم لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فانبرى له حسون أبو الجبن، صاحب الدكان المختص ببيع الجبن في رأس الجسر القديم، فصاح من مكانه بصوت جهوري مجلجل، صوت بياع جبن:
«يعيش الصدر!.. نموت للصدر!»..
سارعت المستمعات إلى تغطية صدورهن بعباءاتهن في قلق وذعر.
وعلى الطرف الآخر من العالم العربي، في تونس الخضراء، كان الرئيس الحبيب بورقيبة يقف في أحد الاجتماعات الجماهيرية مع عقيلته الفاضلة السيدة وسيلة. ثم ناشده الحاضرون بالكلام فارتقى المنصة ليقول بضع كلمات. راح كعادته يعبر عن عزمه على تطوير البلاد وتنميتها فقال: «سنعمل، ونعمل، ونعمل من أجل النهوض بالبلاد بكل وسيلة». وما إن سمع القوم كلمته هذه حتى هتفوا بحماس نادر: «تعيش وسيلة! تعيش وسيلة»!
نضحك، لكنه «ضحك كالبكا»، فهو يكشف عن عمق الهوة بين الجمهور العربي ورجال السلطة ومدى ما تفهمه جماهيرنا من كل هذا اللغط الذي نسمعه من الميكروفونات والفضائيات.
وعلى هذا الصعيد سهل على البلغاء والشعراء اللعب بالأسماء العربية لغرض السخرية، وهو ما فعله الجواهري في إحدى قصائده الشهيرة قاصدًا الرئيس الراحل عبد السلام عارف.