د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

البعوض.. الأشد فتكًا وشراسة

لو أن أحدهم سأل سؤالاً بسيطًا جدًا وقال فيه: ما هو الحيوان الأشد شراسة وفتكًا بالإنسان على وجه الأرض؟ فإننا نجد اختلافًا بين الكثيرين في الإجابة بتحديد مخلوق معين على أنه الأعلى والأشد فتكًا وشراسة ضد الإنسان. وبعضهم ربما قد يتعجل بالإجابة ليقول الأسد أو التمساح أو الفيل أو الثعابين أو العقارب أو سمك القرش أو الخرتيت أو ربما الديناصورات والتنين، ولكن بالمراجعة المنطقية المستندة على البراهين العلمية، فإن ذلك الحيوان.. هو «البعوض».
نعم، هذا الحيوان الضعيف جدًا، مقارنة بالأسد أو التمساح أو الفيل أو الثعابين أو العقارب أو أسماك القرش أو الخرتيت، هو الحيوان الأعلى فتكًا بالإنسان والأعلى تسببًا بالضرر عليه إما بالأمراض أو الوفيات. ودعونا نعود قليلاً إلى بعض معاجم اللغة العربية في تعريفها للشراسة. وكلمة «الشَّرَسُ» في «تاج العروس» للزبيدي، هو: سُوءُ الخُلُقِ والنَّفُورُ وشِدَّةُ الخِلاَفِ. ومعنى شرس في «لسان العرب»: الشَّرِسُ السَّيءُ الخُلُق في معاملة الناس. ومن بين جميع الحيوانات على وجه الأرض، البعوض هو أشد الحيوانات في أذى الإنسان وسوء الخلق في التعامل والغدر به بإصابته بالأمراض والتسبب بالوفيات. وهو الحيوان الأشد فتكًا بالإنسان، وفي «لسان العرب» الفَتْكُ القتل مجاهرة والانتهاز في ذلك على غِرَّة، وكذا في «مختار الصحاح». والحيوان الذي يفعل ذلك وبتلك الصفة هو البعوض.
والإنسان مطلوب منه أن يعلم ما هو عدوه، وخصوصا في جانب الحفاظ على صحته وسلامته من الأمراض، وكثير منّا يخاف من كثير من أنواع الحيوانات ويدع بعضًا منها ترتع من حوله وهو لا يعلم حقيقة أنها أشد شراسة وفتكًا بصحته وسلامته من تلك التي يخشى منها.
وكان بيل غيتس، قد كتب في مدونته في 25 أبريل (نيسان) 2014 تحت عنوان «أشد الحيوانات فتكًا في العالم» وقال: «حينما نأتي إلى ذكر الحيوانات الأعلى تسببًا بوفاة الإنسان فإن لا شيء يُضاهي ولا يُداني البعوض».
ووفق نتائج المراجعة التي عرضها بيل غيتس، فإن عدد من يموتون سنويًا بسبب الفيلة هم نحو 100 شخص، وبسبب التماسيح 1000 شخص، وبسبب الحلزون الناقل للبلهارسيا نحو 10 آلاف شخص، وبسبب الكلاب 25 ألف شخص، وبسبب الأفاعي 50 ألف شخص، وبسبب البعوض 750 ألف شخص في كل عام.
والسؤال: كيف يتسبب البعوض في كل تلك الوفيات وكيف يتربع على قمة الحيوانات المسببة للوفيات في العالم؟ والإجابة تتلخص في أن البعوض ينقل عددًا من الأمراض الفتاكة وشديدة التسبب في المرض، ولعل أسوأها الملاريا، التي يُصاب بها سنويًا نحو 250 مليون إنسان وتُؤدي الإصابات بها إلى وفاة أكثر من 600 ألف إنسان سنويًا على مستوى العالم، وذلك وفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية WHO، وهي أيضًا الملاريا التي تهدد أكثر من نصف سكان الأرض والتي تتسبب في خسائر بالمليارات في كل عام. وناقل المرض هو البعوض، والبعوض وحده، ولا تُوجد وسيلة نقل أخرى.
ويُضاف إلى الملاريا أمراض أخرى، مثل حمى الضنك التي تقول عنها منظمة الصحة العالمية: «حمى الضنك هي عدوى فيروسية ينقلها البعوض، وتصاعدت معدلات انتشار حمى الضنك بشكل هائل على المستوى العالمي خلال العقود الأخيرة، ويواجه نصف سكان العالم تقريبًا الآن خطر الإصابة بهذا المرض، ويشير أحد التقديرات الحديثة إلى أن عدد حالات الإصابة بحمى الضنك يصل إلى 390 مليون حالة سنويًا، ووفقًا لتقديرات دراسة أخرى عن انتشار حمى الضنك فإن عدد الأشخاص المعرضين لخطر العدوى بفيروسات الضنك يصل إلى 3900 مليون نسمة في 128 بلدا». وأيضًا ينقل البعوض الحمى الصفراء ومرض زيكا وقائمة طويلة من الأمراض المُعدية، ناهيك بمعاناة مليارات البشر من قرص البعوض والحكة والألم والإزعاج.
وثمة اليوم أكثر من 2500 فصيلة من البعوض المنتشرة في جميع أرجاء الأرض ما عدا القارة القطبية الجنوبية، هذا حتى اليوم. وفي عدد تكاثرها سنويًا، لا يفوق البعوض سوى النمل. وبمعرفة كل هذه الحقائق البسيطة، يتوقع الكثيرون أن غالبية سكان الأرض يبذلون جهودًا مميزة في محاربة البعوض، وهو ما لا يقع للأسف بالمقارنة مع جهود القضاء على أسماك القرش المتوحشة والتي يقتل البعوض سنويًا 50 ألف ضعف عدد الوفيات الناجمة عن أنواع أسماك القرش المتوحشة.
البعوض من أضعف الحيوانات قوة جسدية، ولكنه من أشدها فتكًا وشراسة في أذى الإنسان، ووسائل مكافحة البعوض بسيطة للغاية وسهلة التطبيق وناجعة في التأثير للقضاء على تجمعات البعوض وإبطاء تكاثره، ومن حين لآخر، تظهر أمراض وبائية للبعوض دور فيها، ولذا فإن مكافحة البعوض شأن يجدر أن يكون عملاً مستمرًا في كل مناطق العالم للقضاء عليه.