خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الكلاب وروائح الفساد

تستعمل الشرطة الكلاب في الغرب في تقفي آثار المجرمين واكتشاف المخدرات، وأخيرًا في اكتشاف المتفجرات أيضًا، هذا بالإضافة إلى استعمالها في حراسة الأبنية.
وسمعت بأن بعض المزارعين يستعملون الكلاب في حراسة شرف نسائهم، فعندما يخرج الرجل للعمل يطلق الكلب في البيت، فلا يجازف أي عاشق ولهان بالاقتراب. وكثير من النساء الأوروبيات يفضلن تربية الكلب على عشرة الرجال، مثلما تفضل كثير من نسائنا الإصغاء للتلفزيون على الإصغاء لأزواجهن وأولادهن. وأصبح أزواجهن يفضلون التفرج على كرة القدم بدلاً من الاستماع لمن يسمونهم بالخبراء على القنوات الفضائية العربية.
هذا كل شيء أعرفه، ولكنني اكتشفت أيضًا أن بالإمكان استعمال الكلاب في الكشف عن كذب السياسيين ومكرهم وسوء نيتهم.
لا بد أن القارئ لاحظ كيف أن الكلب ينبح ويهجم على أحد المارة ولا يتعرض لمار آخر. أنا مثلاً لم ينبح عليّ أو يهاجمني أي كلب في حياتي، والسبب هو أن الكلاب بغريزتها تدرك أنني رجل مسالم وأؤمن باللاعنف ومبادئ غاندي، فتتركني وتهز ذيلها لي ترحيبًا وتشجيعًا. وبالمناسبة، هل سمعتم عن أي كلب هجم على غاندي؟ كلا، مات غاندي برصاص أحد بني الإنسان، واحد من المتطرفين الإرهابيين.
ما حملني على الاعتقاد بأن الكلاب تستطيع الكشف عن زيف رجال السياسة، هو القصة التي سمعتها عن الكلب فنغال الذي أحيل إلى المحكمة في آيرلندا لقيامه بعضّ أحد الساسة المحافظين والعنصريين. دافعت صاحبته عنه بقولها: إنه كلب مسالم تمامًا ولم يسبق له أن عض أي أحد، ولا نستطيع أن نفهم لماذا هجم على هذا الرجل وعضه حالما بدأ بإلقاء كلمته في المجلس.
كلا لم تفهم لماذا، ولكنني أستطيع أن أفهم، لقد عض هذا الرجل أثناء إلقاء كلمته عندما شعر بأنه كان يكذب ولا يضمر لآيرلندا وشعبها غير الشر ولا يتسلم الحكم حتى يضع ضريبة على مأكولات الكلاب ويأمر بربطها بسلاسل حديدية وتكميم بوزها بشبك معدني وحشرها مع معاقل اللاجئين والمهاجرين. شعر الكلب بكل ذلك فهجم عليه وعضه. ومن يلومه؟ لو كنت أنا أيضًا بين المستمعين لعضضته بطقم أسناني الصناعية.
حملتني هذه الحادثة وما أعرفه عن سلوك الكلاب للاعتقاد بأن بالإمكان استخدامها في كشف زيف البعض من الزعماء والمسؤولين، وهو أمر مهم بالنسبة لبعض دول الشرق الأوسط وأحزابها الإسلاموية الآن، حيث تفاقمت الأكاذيب والادعاءات والاتهامات والوعود الواهية، بحيث لم يعد بالإمكان التفرقة بين الصدق والكذب، والحلال والحرام. الحل الوحيد هو أن يستورد القوم هذا الكلب الألمعي فنغال ليساعدهم في المهمة. وطالما يتناقش القوم في هذه الأيام بشأن تعديل الدساتير وقوانين الانتخابات، فأعتقد أن من المناسب إضافة مادة خاصة باستشارة الكلاب واستعمالها في الكشف والتمييز بين الصادق والكاذب من هؤلاء. وأقترح في هذه المناسبة أولاً التعاقد مع الكلب فنغال المتمرس في العض للقيام بهذه المهمة.
الخوف الوحيد هو أن الكلب فنغال قد يتبع نفس الأسلوب الذي اتبعته الشركات الأميركية في العراق فيتعلم منها أساليب الفساد ويتعاقد من الباطن مع كلب آخر من كلابنا بعشر الأجرة وتفسد العملية، بل وتفسد أيضًا الكلاب البريئة لدينا.