فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

الضرورات السورية الراهنة

لا يحتاج إلى تأكيد، قول إن القضية السورية تمر بمرحلة شديدة التعقيد، بسبب ما أحاط بها من تطورات وتدخلات في الأعوام الخمسة الماضية. ويتضاعف هذا التعقيد مع انعقاد مؤتمر جنيف3 في ظل حقائق أساسية من بينها حدوث تغيير في التوافق الدولي على أسس حل القضية السورية بنقل هذا التوافق من جنيف1 وتوابعه ولا سيما قرار مجلس الأمن رقم 2118 القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات إلى أوراق فيينا والقرار الدولي 2254 حول تشكيل حكومة ذات مصداقية، فيما تسعى أطراف منخرطة ومعنية بالقضية السورية لتهميش المعارضة ممثلة بمؤتمر الرياض والهيئة العليا للتفاوض التي انتخبتها، والسعي إلى إيجاد بدائل لها فيما لو رفضت المشاركة أو الاستجابة لإملاءات بعض الأطراف، وهو ما يترافق مع مساعٍ حثيثة لخلق وقائع على أرض الصراع في الداخل السوري، هدفها إضعاف المعارضة سواء في شقها السياسي والمدني أو في الشق العسكري عبر تكريس الحصار على مناطق واسعة خارجة عن سيطرة النظام وحلفائه من جهة، وتصعيد الهجمات الجوية والأرضية على التشكيلات المسلحة وحواضن المعارضة المدنية لإعادة السيطرة عليها.
وسط هذه التطورات الخطيرة، تبدو الحاجة السورية ملحة لخلق ظروف وشروط أفضل من جانب المعارضة وغالبية السوريين للقضية السورية، تتجاوز ما تفرضه التحديات الراهنة من نتائج، ولعل التعبير الأبرز من جانب المعارضة وعموم السوريين في مواجهة هذه التحديات، كان انعقاد مؤتمر الرياض بمشاركة طيف واسع من المعارضة السياسية والعسكرية والشخصيات المستقلة، وفيه تم الاتفاق على نقطتين أساسيتين؛ إصدار بيان سياسي يتضمن التوافقات الأساسية للمعارضة، وقيام الهيئة بتشكيل وفد للمفاوضات مع النظام حول الحل السياسي في سوريا، وقد أحيط مؤتمر الرياض بموجة من التأييد السوري لمؤتمر الرياض ومخرجاته، مما أعطى زخمًا أقوى للمعارضة، جعلها أقدر في طرح رؤيتها حول المشاركة في مؤتمر جنيف3.
ولخصت المعارضة من خلال الهيئة العليا للمفاوضات رؤيتها للمشاركة في المؤتمر في نقطتين أساسيتين؛ أولاهما تأكيد الفصل بين الإنساني والسياسي في القضية السورية، بإخراج الموضوعات الإنسانية من دائرة التفاوض مع النظام أو غيره في أي مستوى كان، وباعتبار ما يتصل بها إجراءات واجبة التنفيذ، أما في الموضوع السياسي، فقد تضمنت الرؤية حق المعارضة في تشكيل وفدها على نحو ما هو حال النظام في تشكيل وفده دون أي تدخلات أو فرضيات إقليمية أو دولية، كما تضمنت ضرورة تأكيد أن مؤتمر جنيف3، يمثل حيزًا للمفاوضات بين المعارضة والنظام هدفها الوصول إلى حل سياسي، وليس مجرد مكان لإجراء مباحثات أو نقاشات حول القضية بغض النظر عن الأطراف التي تشارك فيه، وما يمكن أن تطرحه من موضوعات، والنقطة الثالثة في الجانب السياسي من رؤية المعارضة، هو تأكيد المرجعية الدولية للحل الشامل المنصوص عنه في بيان جنيف 2012 والقرار 2118 عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، تأخذ سوريا إلى نظام ديمقراطي، يكون بديلاً لنظام الاستبداد والقتل، وليس عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، سيكون من نتائج تشكيلها، تكريس وجود النظام ورئيسه رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق السوريين.
ومما لا شك فيه، أن هذه الرؤية تصطدم بموقف النظام وحلفائه المشاركين في المجموعة الدولية، بل إن بعضًا منها، لا يجد قبولاً أو دعمًا من جانب قوى إقليمية ودولية، تركز على تداعيات الأحداث السورية وخصوصًا في ملفي الإرهاب والهجرة، أكثر مما تركز على الأحداث بما فيها عمليات حصار المدنيين، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها «جرائم حرب»، الأمر الذي يعني أن أولى ضرورات المرحلة السورية الراهنة، تكمن في تثبيت رؤية المعارضة حول العملية السياسية، ليس فقط لأنها تعالج القضية بصورة جوهرية، بل لأنها أيضًا تعالج في الوقت نفسه تداعياتها في وقف هجرة ولجوء السوريين إلى بلدان أخرى، وتحاصر الإرهاب، وتعزز الحرب عليه وصولاً إلى القضاء عليه.
الأمر الثاني في الضرورات السورية الراهنة، يكمن في تعزيز وحدة المعارضة، وتطوير مؤسساتها وأساليب عملها، وتعزيز علاقاتها في الداخل السوري وفي المهجر مع القوى المدنية والسياسية ومع الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية لضمان مشاركتها القصوى في المعركة من أجل الحل السياسي ومستقبل سوريا باعتبارها وطنًا لكل السوريين. ولا ينفصل في هذا الجانب عمل المعارضة عن عملها وتفاعلها مع تشكيلات المعارضة المسلحة لدعم صمود الأخيرة في مواجهة النظام وحلفائه بما فيه العدوان الروسي، وتقوية توجه تلك التشكيلات للسير باتجاه الحل السياسي في سوريا.
والأمر الثالث في الضرورات السورية الراهنة، سعي المعارضة إلى تقوية علاقاتها الخارجية مع المجتمع الدولي ورأيه العام بعد التدهور الشديد الذي أصاب تلك العلاقات في السنوات الأخيرة، مما يتطلب إعادة تقييم تلك العلاقات بعواملها الإيجابية والسلبية، ورسم استراتيجية جديدة في العلاقة مع المنظمات الدولية والقوى الدولية والإقليمية من أجل كسب تأييدها ودعمها لقضية السوريين ومستقبل سوريا في إطار الجماعة الدولية الساعية إلى الحرية والسلام ومحاربة الإرهاب.
ومما لا شك فيه أن التعامل مع ضرورات المرحلة الراهنة، لا يقتصر على جهود المعارضة، وإن كان على الأخيرة أن تلعب دورًا نشطًا وفاعلاً في ذلك، بل يتطلب جهد كل السوريين بجماعاتهم وشخصياتهم، ليس لأن المهمات كثيرة ومتشعبة، وتحتاج إلى إمكانيات وطاقات، لا تستطيع المعارضة توفيرها بشكل منفرد، إنما لأن المعارضة تحتاج إلى دعم ومساندة أوسع طيف من السوريين حاليًا وفي المستقبل أيضًا.