سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«الأهرام» وشلال «الأهرام» وأنا: الصفحة الأولى

في حنيني إلى كبار الغياب، لم أكن أقصد إطلاقًا كبار الحضور. لذلك، رددت على الرد بالمصالحة والدعابة. وشكرت الزميل الكبير على وضعي في الصفحة الأولى من «الأهرام» ولو في باب النقد. وبعد أشهر التقينا في المؤتمر السنوي لنادي دبي للصحافة، فاندفعت أعانقه على طريقة أبو عمار. واغتسل القلبان. والقلمان.
ثم بعد سنوات، في دبي، وفي مؤتمر نادي الصحافة، كنت أوقع كتابي «انقضاء الشرق» عندما رأيت في الصف، على كرسي متحرك، إبراهيم نافع. أفرحني وجوده، وشرَّفني أن أوقع نسخته. لكن أحزنتني عميقًا رؤيته على كرسي متحرك. وأحزنني أكثر أن أعرف أنه ترك مصر لأسباب قضائية. وكتبت يومها أناشد الرئيس السيسي، وأكتب مناشدًا اليوم، لا يجوز أن يكون إبراهيم نافع خارج مصر. مثله، يؤخذ بما حقق، لا بما أخفق.
المرة الثانية على الصفحة الأولى في «الأهرام»، ولكن هذه المرة مرحّبًا بي. ذهبت إلى الدار أهنئ رئيس التحرير الجديد الزميل العزيز أسامة سرايا، الذي أكرمني بجولة على رؤساء الأقسام. وفي اليوم التالي فوجئت بأن الزيارة والجولة، حدث على الصفحة الأولى من الجريدة. واتصل بي الراحل محمود عوض يقول إنه لا يذكر أن «الأهرام» احتفت بزيارة زميل بهذه الطريقة.
شعرت باعتزاز شخصي ومهني لا يُنسى. وبقدر ما أعطاني الله من فروض التواضع وتعابير الانزواء، ذكرت المسألة في مقال عن القاهرة. ولم يكن قد حذف لي من قبل مقال، أو سطر، أو كلمة، لكنني فوجئت بمسؤول تلك المرحلة يمنع نشر الزاوية. أقول فوجئت، والحقيقة أنني لم أفاجأ، وإنما كدَّرني أن يصح ما توقعت.
كان كاتب فرنسا الكبير فرنسوا مورياك يقول إن الصحافي يجعل لنفسه من الأصدقاء بقدر ما يصنع من الخصوم. الأصدقاء في كل مكان، الخصوم فقط في الصحافة. كل مهنة على الأرض فيها خصوم وأصدقاء. حسد وغبطة. قلوب كبيرة وقلوب غير كبيرة. لكن الفروقات في الصحافة مؤلمة أكثر من المهن الأخرى، لأن الصحافة واجهة زجاجية بالغة الشفافية. أي تزوير يفتضح. أي نقطة حبر زائدة أو ناقصة تبين في سرعة، لكنها لا تزول. لذلك، يتعلم المرء مع العمر أن يسير بين نقاط الحبر، مخافة أن يُلحق بالآخرين ما لا يحب أن يلحق به.
هل كان الأمر مهمًا؟ في المكابرة، لا. في الحقيقة كان موجعًا، لأنه كان مزاجيًا غير مهني. والصحافة لا تقوم على المزاج. وكان في الإمكان ألا أعود إلى تلك المسألة، لكنها فصل مهم من حكايتي مع «الأهرام». وشلال «الأهرام». وأنا أنظر إليها بأهمية.
إلى اللقاء...