د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الأطباء.. ومُطالبات المرضى بالتعويض

ثمة حاجة إلى واقعية النظرة وفق نهج «المعرفة المبنية على البرهان» وذلك عند نظر المرضى إلى عموم الأطباء وإلى جهودهم المتفانية طوال الوقت في خدمة مرضاهم، ورفع مستوى علمهم وكفاءتهم وخبرتهم لتوفير رعاية طبية عالية الجودة وآمنة في نتائجها العلاجية، وذلك بعيدًا عن تعميم النظرة المبنية على عدم الدقة. وتفتقر الأوساط الطبية إلى تلك الدراسات التي تبين لعموم المرضى حقيقة مصدر الخلل في تقديم عموم الأطباء نوعية عالية من جودة الخدمة الطبية على الرغم من معاناة بعض المرضى من وقوع بعض الأطباء في أخطاء خلال معالجة المرضى أو التدني في مستوى سلوكيات التعامل مع المرضى، كما هو مطلوب منهم بالأساس أن تكون معالجاتهم سليمة وتعاملهم راقيا وفق التزامهم بجعل خدمة المريض وراحته وسلامته هي الأولوية لديهم.
وكان الباحثون من جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأميركية ومن جامعة ملبورن بأستراليا قد تناولوا بالبحث أحد مظاهر عدم بلوغ الأطباء مستوى عال من رضا المرضى عن جهودهم العلاجية، وهو وصول الأمور بين المريض والطبيب إلى حد شكوى المريض ومطالبته بالتعويض المالي على إلحاق الضرر به خلال معالجته. ووفق ما تم نشره ضمن عدد 28 يناير (كانون الثاني) الماضي من «مجلة نيوإنغلاند الطبية» New England Journal of Medicine، لاحظ الباحثون في نتائجهم أن 1 في المائة فقط من الأطباء بالولايات المتحدة هم المسؤولون عن نحو ثلث كمية التعويضات المالية على المستوى القومي في دعاوى المرضى ضد ما يُعرف بـ«سوء الممارسة الطبية» Medical Malpractice Claims، وهو ما عبّر الباحثون عنه بالقول: «عدد قليل من الأطباء مسؤولون عن جزء كبير من التعويضات المالية للدعاوى القضائية». وأضافوا: «كل ما ارتفعت أكثر كمية المطالبات المالية من طبيب للتعويض على الدعاوى ضد عمله ارتفعت احتمالات تكرار حصول ذلك منه في المستقبل».
وتقترح الدراسة ضرورة تحديد أولئك الأطباء الأكثر عُرضة للمطالبةClaim - Prone Physicians والتدخل قبل مواجهة المستشفيات متطلبات أخرى مستقبلية يكون أولئك الأطباء هم السبب فيها. وعلق الدكتور ديفيد ستدريت، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ الطب والقانون في جامعة ستانفورد، قائلاً: «أعتقد أن كثيرا من شركات التأمين الطبي وكثيرا من مؤسسات تقديم الرعاية الطبية لم تقم بإجراء خطوات تحليلية لفهم منْ حقًا هؤلاء الأطباء» الذين يتسببون بتكرار شكوى المرضى منهم. وأضاف: «لا توجد دراسة طبية على المستوى القومي بحثت في كيفية توزع دعاوى المتطلبات المالية التعويضية بين عموم الأطباء، ونحن نعتقد أن دراستنا أضافت معلومات جديدة حول هذا الأمر».
وفي عبارات مليئة بالدعم والتأكيد للحقائق المعروفة التي وثقها مجددًا الباحثون في نتائج دراستهم، علق ديفيد سويسا، الخبير في مجالات سوء الممارسات الطبية والمدير التنفيذي والمستشار العام للجنة الطبية المشتركة في رالي بولاية كارولينا الشمالية، بالقول: «هذه النتائج تُؤكد ما هو معروف منذ مدة طويلة ولا أعتقد أنهم اكتشفوا شيئًا جديدًا»، في إشارة إلى أن مجال عمله ضمن اللجنة المذكورة يشمل التأمين الطبي على عمل أكثر من 13 ألف طبيب من 22 دولة في العالم.
وفي دراستهم الحديثة، قام الباحثون بمراجعة بنك المعلومات القومي للممارس بالولايات المتحدة U.S. National Practitioner Data Bank، وهو مستودع إلكتروني تم استحداثه في عام 1986 من قبل الكونغرس بغية رفع مستوى جودة الخدمة الطبية، ويقوم بنك المعلومات بجمع المعلومات على دفعات حول سوء الممارسة الطبية والإجراءات السلبية، مثل عندما يتم منع طبيب من المشاركة في الرعاية الصحية أو الطبية. وشملت الدراسة ما يقرب من 67 ألف من مطالبات الدفع المالي ضد أكثر من 54000 أطباء من 2005 حتى 2014. وخلال فترة عشر أعوام، لاحظ الباحثون أن تلك المطالبات المالية، والتي تجاوزت في مجموعها 24.6 مليار دولار (أربعة وعشرين فاصلة ستة)، طالت 6 في المائة من الأطباء فقط، وأن منْ منهم تكررت المطالبات عليه مرتين أو أكثر هم يُمثلون 1 في المائة فقط من مجموع الأطباء ولكنهم السبب في أكثر من 30 في المائة من مجموع ما تم دفعه من أموال للمرضى الشاكين.
وكان متوسط ما تم دفعه لكل مريض كان نحو 370 ألف دولار، ثُلثهم مرضى توفوا. ولذا علق الدكتور ستدريت بالقول: «من المنطقي طرح سؤال مفاده كيف يُمكن تراكم أربع أو خمس دعاوى قضائية خلال 10 سنوات على الطبيب ثم يُترك لممارسة تقديم الرعاية الطبية، ولا أعلم الإجابة على هذا السؤال».
من جهته، كان الدكتور جيرالد هيكسن، نائب الرئيس الأول للجودة والسلامة والوقاية من المخاطر في كلية الطب بجامعة فاندربيلت في ناشفيل، قد درس العلاقة بين المريض وأسرته والشكاوى حول سلوك الجراح والنتائج السيئة في الحالات الجراحية المرضية المعقدة، وقال: «يجب أن يكون المرضى وعائلاتهم على يقين من أن المستشفى ملتزمة بثقافة السلامة وأن تكون لدى المستشفى الآلية التي يمكن للمريض من خلالها التعبير عندما يكون غير راض عن الرعاية الطبية التي يتلقاها».
وما تحتاجه الأوساط الطبية هو إدراك أن البحث عن الطبيب الآمن في خدمة مرضاه هو الأولوية وليس غير ذلك كأولوية بغض النظر عن مدى الخبرة وعدد البحوث والدراسات التي قدمها ولا عدد العمليات الجراحية التي قام بإجرائها ولا عدد الشهادات التي حصل عليها. والحرص على سلامة المرضى وتفهيم المرضى كيفية معالجتهم وشرح الخطوات العلاجية، وأخذ موافقتهم عليها مشفوعة بالعلم التام هو سبيل تقديم الطبيب لرعاية طبية ناجحة وآمنة تُعطي المريض مستوى عاليا من الرضا والراحة.