سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

في مديح الذئاب

خسر الفرنسيون 50 ألف جندي في «الهند الصينية» من أجل ألا تذهب إلى الشيوعيين والسوفيات، وأصيب منهم مائة ألف جندي. وجاء الأميركيون فسموها فيتنام، وأرادوا حمايتها من الشيوعية والسوفيات، فكانت نتيجة الحرب بين 1955 و1975 مقتل أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، بين عسكري ومدني، بين فيتنام الجنوبية وفيتنام الشمالية، بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي.
الحروب هي الحالة البشرية الوحيدة لتي لا تتوقف، التجارة الوحيدة التي لا تكسد، الصناعة الوحيدة التي لا تكف عن الازدهار. السلام قصير العمر في كل مكان. مجرد استراحة من أجل الاستعداد لحرب أخرى. شهد لبنان الذي لا تزيد مساحته عن 10 آلاف كيلومتر مربع حربًا طاحنة عام 1840، ثم 1860، ثم الحربين العالميتين، 1914 و1939، ثم حرب 1958، ثم حرب 1975. كل اتفاق سلام كان اتفاقًا كاذبًا. قبل وفاته بيوم واحد، قال الرئيس الأميركي روزفلت إن «ستالين لم يترك وعدًا واحدًا من الوعود التي قطعها في مؤتمر يالطا إلا وأخلف به». هتلر وقّع اتفاقًا مع ستالين وآخر مع لندن، ومزق الاثنين. صدام حسين وقّع اتفاقية الجزائر مع إيران حول شط العرب ثم تباهى بتمزيقها. «اتفاق الطائف» الذي وقعه اللبنانيون لإنهاء الحرب لم يُطبق منه بند واحد.
لا يمكن للسلام أن يقوم، أو أن يدوم إلا بحسن النيات والصدق. والإنسان ذئب لأخيه الإنسان. غير أن عظيم اليونان الحديثة وهوميروس العصر، نيكوس كازانتازاكيس يقول، إن الذئب لا يفترس الذئب. البشر حالة افتراس دائمة. كان الجنرال كاستر يبيد الهنود الحمر وهو يتمتع بعزف «الهارمونيكا»، ومعناها موسيقى الانسجام. وقتله الهنود وهم يقرعون الطبول. ازدهرت هوليوود على أفلام الكاوبوي. كنا جميعًا نذهب إلى السينما لكي نشاهد كيف يرش جون واين المتحضر، الهنود المتوحشين كالذباب. إنه البطل. ثم جاءت السينما الفرنسية وعرفتنا إلى اللابطل، الرجل البسيط الذي يكره القتل والعنف والربح ويفضل عليها الانزواء والخسارة.
خلال الحرب اللبنانية عُقدت عشرات الاتفاقيات لوقف إطلاق النار، وخُرقت جميعها. الخداع زينة الرجال. خاضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الحرب معًا ضد هتلر، وقبل انتهائها، كان كلاهما يستعد لـ«الحرب الباردة» التي تحولت إلى احتلالات للدول الأخرى، وحروب بالواسطة في كل مكان من العالم. كذلك كانت العلاقات بين فرنسا وبريطانيا: صداقة معلنة وعداء ضمني. احذروا الأصدقاء، لا الأعداء.