اعتزام قائد الجيش الباكستاني التخلي عن منصبه يثير الجدل

البعض اعتبر الخطوة جيدة لترسيخ الديمقراطية.. وآخرون أبدوا مخاوف من وقف الحرب ضد طالبان التي كسبها في عهده

الجنرال رحيل شريف
الجنرال رحيل شريف
TT

اعتزام قائد الجيش الباكستاني التخلي عن منصبه يثير الجدل

الجنرال رحيل شريف
الجنرال رحيل شريف

أعلن أقوى رجل في باكستان، الجنرال رحيل شريف، الاثنين الماضي أنه بصدد التخلي عن منصبه كقائد للجيش عندما تنتهي مدة خدمته في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، في خطوة اعتبرها البعض إيجابية للديمقراطية التي لم تشهد استقرارا على مدى تاريخ البلاد، غير أن تلك الخطوة من شأنها أن تثير حالة من الشك حول الحرب ضد مسلحي حركة طالبان.
وقام الجنرال شريف، الذي قاد البلاد في حربها ضد حركة طالبان الباكستانية ويعود له الفضل في تراجع الهجمات الإرهابية، بالإفصاح عن نيته ترك قيادة الجيش في تغريدة على موقع «تويتر». ونقل المتحدث الرسمي الجنرال أسيم بأجوا عن شريف قوله «لا أومن بتمديد مدة الخدمة، وسوف أتقاعد في الموعد المحدد». أضاف شريف أن الحرب على «الإرهاب سوف تستمر بكل عزيمة وتصميم».
قد يكون لإعلان شريف انعكاساته الكبيرة على موقف باكستان من الجماعات المتشددة وعلى جهود تشجيع مباحثات السلام بين حكومة أفغانستان وحركة طالبان المتمردة. ويعتبر شريف صوتا مؤثرا في جهود باكستان الساعية لدفع طالبان الأفغانية لطاولة المباحثات الرسمية مع الحكومة في كابل.
وطبقا للقانون الباكستاني، يتولى قائد الجيش منصبه لثلاث سنوات قابلة للتجديد، حيث استمر سلف شريف الجنرال أشفق كياني في منصبه لست سنوات، لكن تمديد فترة كياني أثارت الكثير من الجدل في بلد خضع للحكم العسكري لفترة تقارب نصف تاريخه الذي يبلغ 68 عاما.
وفي تغريدة على موقع «تويتر»، كتب كريل ألميديا، أحد أشهر كتاب الرأي التقدميين في باكستان، عقب إعلان شريف عن عزمه ترك منصبه: «شكرا رحيل شريف».
قد يتسبب رحيل قائد الجيش الذي يحظى بشعبية كبيرة في إثارة الاضطرابات مجددا. ورغم أن باكستان قد أكملت أول عملية انتقال سلمي للسلطة من خلال حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي إلى حكومة أخرى عام 2013، لا يزال الكثير من الباكستانيين ينظرون للجيش باعتباره مصدرا للاستقرار والأمن.
بعدما تخطى رئيس الوزراء نواز شريف قادة عسكريين برتب أعلى من الجنرال شريف عام 2013، ضغط قائد الجيش الجديد على الحكومة لمساندة عملية عسكرية كبيرة شنها ضد طالبان الباكستانية. وتزامنت عملية تهجير أكثر من مليون مدني من شمال وزيرستان من الحزام القبلي الباكستاني مع إرسال الجيش الباكستاني لنحو 25000 جندي للمنطقة في يونيو (حزيران) 2014. ونجح الجيش في إبعاد المسلحين الإسلاميين عن ملاذاتهم الآمنة على الحدود الأفغانية، حسب مسؤولين غربيين.
نجح شريف كذلك في التنسيق لعملية ضد المسلحين وعصابات إجرامية في مدينة كراتشي التي تعد أكبر مدن باكستان. أفاد نظير محمد، عميد متقاعد في الجيش الباكستاني، أن «الجنرال شريف أدرك أن الحرب على الإرهاب تحتاج إلى أن تبدأ من المقدمة». وعلى مدار العام الماضي، كان لتلك العمليات العسكرية الفضل في التراجع الكبير في أحداث العنف، إذا تراجعت حالات القتل الناتجة عن هجمات إرهابية بواقع 50 في المائة، وكان عام 2015 عام الأمان في باكستان منذ عام 2006. حسب أرقام نشرتها بوابة جنوب آسيا لإحصائيات الإرهاب.
ونتيجة لتحسن اقتصاد باكستان مع تراجع التهديدات الأمنية، ازدادت شعبية الجنرال شريف، إذ حصل على تأييد بنسبة 83 في المائة في استقصاء أجراه معهد باكستان لتنمية التشريعات والشفافية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على الرغم من بعض الاضطرابات القليلة التي تخللت فترة قيادته للجيش.
في أول عام تولى فيه رئاسة الوزراء، دعا نواز شريف إلى التقارب مع العدو اللدود، الهند، ويعتقد الكثير من المحللين أن تلك الدعوة تسببت في حالة من عدم الاستقرار في الجيش وفي قيام الكثير من المظاهرات في إسلام آباد ضد الحكومة في عام 2014. ووسط توقعات بحدوث انقلاب عسكري، قام الجنرال شريف بزيارة رئيس الوزراء، ووفقا لرواية وكالة أنباء رويترز عما دار خلال اللقاء، أبلغ شريف رئيس الوزراء أنه لن يكون هناك انقلاب عسكري طالما أحكم الجيش سيطرته على سياسة باكستان الخارجية. ومنذ ذلك الحين عمل قائد الجيش ورئيس الوزراء سويا على معالجة أي توتر ينشأ بين الجيش والحكومة المدنية.
عمل الجنرال شريف كذلك على تحسين العلاقات مع إدارة أوباما ومع القادة العسكريين الأميركيين في أفغانستان، وقال المسؤولون الغربيون بأنهم يرونه شريكا أكثر أمانة وعزيمة من بعض سلفه، ومنهم الجنرال كياني. غير أن رحيل شريف عن منصبه سيأتي في وقت عصيب. فالأسبوع الماضي قتلت طالبان الباكستانية 20 طالبا ومدرسين اثنين في هجوم شنته على كلية بالقرب من بيشاور. وتجري الولايات المتحدة، والصين، وباكستان، وأفغانستان مباحثات بشأن إحياء مباحثات السلام الأفغانية. ويتفاءل بعض المسؤولين الأميركيين بشأن عدم وقوف الجيش الباكستاني عقبة في سبيل إجراء المباحثات المرتقبة بين إسلام آباد ودلهي. أضاف نظير محمد أن الجنرال شريف يدرك تماما الصورة السيئة التي تركها سلفه الجنرال كياني وكذلك رئيس الوزراء السابق برويز مشرف الذي قاد البلاد طيلة تسع سنوات في نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة نتيجة للمدة الطولية التي قضياها في منصبيهما.
خدمة {واشنطن بوست}
خاص بـ {الشرق الأوسط}



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».