ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

الإنترنت الأسود

حين قرأت تصريح مسؤول بارز في عملاق التكنولوجيا «غوغل» يقول فيه إن العالم في حاجة لدفع تنظيم داعش للبعد عن شبكة الإنترنت وحصر نشاطه في مواقع الإنترنت الأسود، لم أفهم ما عناه، واعتقدت أن التعبير مجازي. لكن، تبين بعد قليل من البحث أن تعبير «الإنترنت الأسود» شائع ومستخدم للدلالة على سوق عالمية موازية في الإنترنت متاحة للحصول على بضائع غير قانونية كالسلاح والمخدرات بشكل مجهول وهي سوق نمت بشكل كبير بحيث إن الحكومات تقول إنها غير قادرة على السيطرة عليها.
إذن، أحد مسؤولي غوغل يقول إنه يجب دفع «داعش» من شبكات الإنترنت العادية بما فيها من مواقع تواصل اجتماعي ودفعه نحو تلك العوالم الغامضة المسماة «الإنترنت الأسود». لكن ما الذي يعنيه خبراء في المجال الرقمي حين يقولون إن علينا دفع «داعش» ومناصريه للغوص أكثر نحو مساحات مجهولة، بل ما الذي يعنيه التوافق على أن هناك فضاء أسود لتجار السلاح والمخدرات والإرهاب والجريمة وكل ما هو مخيف لنا وأن علينا دفع كل الأشرار نحوه.
فهل ذاك الفصل آمن لنا؟
الواقع يقول إن ذاك الفضاء الموازي هو فضاء متاح لجعل هؤلاء ينشطون ويعملون، في حين نوهم أنفسنا أنهم غير موجودين. يذكرني ذلك بالعوالم السفلية للمدن وبثقافة the underground، حيث يعيش عالمان متوازيان ينكر كلاهما وجود الآخر. هناك فضاء نام يتصاعد ومفاتيحه التقنية لم تعد معقدة؛ بحيث يمكن بقليل من الدهاء الإلكتروني الدخول إليها والانخراط في عوالم ليس الإرهاب المنظم هو الموبقة الوحيدة فيها. الإجابة على هذه التساؤلات لا تزال غير متاحة أو ربما هناك من لا يريد الخوض فيها كثيرا. فنحن هنا لا نتحدث عن جبهات واضحة للخير والشر بل نتحدث عن دول ومصالح وأجهزة مخابرات أيضا، وعن الكثير من الالتباس بين من يدعم في السر والخفاء ومن يقول إنه يكافح. وهنا لا أعني فقط تنظيم داعش بل أيضا كل تلك الجهات المجهولة التي باتت نافذة في مجالات غير شرعية وغير إنسانية.
من الضروري أن نسأل: ماذا يمكن لعمالقة التكنولوجيا أن يفعلوا أبعد من إقفال موقع أو صفحة شخصية يشتبه في أنها إرهابية.
هذا ليس أمرا واضحا بعد، لا لشركات الإنترنت ولا لمواقع التواصل الاجتماعي التي هي الساحة الأهم لدعاية «داعش» والجماعات المتطرفة وهي مواقع عجز القيمون عليها حتى الآن عن الموازنة بين حاجتنا لفضاء حر وقدرة «داعش» أو أي جهات شريرة على استغلالها.
ما يجعل الأمر مريبا هو ميل الكثير من الحكومات والجهات الأمنية إلى تحميل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المسؤولية المباشرة وشبه الوحيدة في انتشار تلك الجماعات وفي مواجهتها في آن، وهذا أمر يثير الكثير من الشكوك حول نيات الحكومات والجهات التي تقول إنها تحارب «داعش». هذا التنظيم وتفرعاته السابقة واللاحقة لم تأت من الإنترنت وإن كان وسيلة أساسية لنشر فكرها، لكنّ الأفكار نفسها ليس الإنترنت ولا مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولا عنها. فـ«داعش» تتسلل من ثنايا نقاط الضعف والوهن في المجتمعات العربية والغربية على حد سواء وهي نقاط ليس الفضاء الإلكتروني من أوجدها. الهروب نحو عوالم الإنترنت السوداء ليس حلا لمواجهة «داعش» بل هو هروب نحو تكريسها في عالم مواز نتوهم أنه بعيد عنا لكن في الواقع هو في قلب حياتنا..