أعلنت إيران أمس الإفراج عن زورقين من زوارق البحرية الأميركية، وعن بحارة البحرية الأميركية العشرة الذين احتجزتهم منذ مساء أول من أمس الثلاثاء بعد أن اتهمتهم بالدخول في مياهها الإقليمية.
وجاء الإعلان عن الإفراج عن البحارة الأميركيين بعد اشتعال الجدل والغضب في الدوائر السياسية الأميركية، على خلفية الخلافات الحزبية حول تعامل الإدارة الأميركية مع إيران، وتباطؤ الإدارة في فرض عقوبات على طهران بعد إقدامها على تجربتين للصواريخ الباليستية في انتهاك للقوانين الدولية.
ويأتي حادث اعتقال وإطلاق سراح البحارة في توقيت يشكل لحظة حاسمة في العلاقة الأميركية - الإيرانية قبل أيام من بدء التنفيذ الرسمي للاتفاق النووي الإيراني الذي بموجبه تفرج الولايات المتحدة عن الأموال الإيرانية المجمدة، والتي تقدر بنحو 100 مليار دولار، وفي الوقت الذي يسعى فيه الجمهوريون في الكونغرس إلى تمرير مشروع قرار في مجلس النواب لتعطيل تخفيف العقوبات ضد إيران حتى يشهد الرئيس بالتزام إيران بوقف كل الأنشطة النووية والتوقف عن زعزعة استقرار المنطقة.
وتزايد الجدل خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، مع تصريحات متناقضة صادرة من إيران حول اعتذار الولايات المتحدة لطهران عن دخول الزوارق الأميركية إلى المياه الإقليمية الإيرانية، ونفي شديد من جانب البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون لوجود أي اعتذار أميركي لإيران.
وفي المقابل، أشاد كلا البلدين بانتهاء الأزمة والإفراج عن البحارة الأميركية، ووُصف الأمر بأنه علامة على تطور العلاقات بين البلدين منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني. ووجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري الشكر للحكومة الإيرانية على «تعاونها وسرعة الاستجابة»، مشيدا بما قدمته إيران من رعاية للبحارة وتوفير الغذاء والبطاطين لهم.
من جهته، أشار الجنرال المتقاعد رالف بيتر، في تصريحات لشبكة «فوكس» الإخبارية، إلى أن إيران احتفظت بأجهزة تحديد المواقع في الزوارق الأميركية، بما يجعل من الصعب نفي دخول الزوارق الأميركية إلى المياه الإقليمية الإيرانية. وأوضح الجنرال المتقاعد أن بداية أزمة احتجاز البحارة الأميركية، وحتى انتهائها، تثير الكثير من التساؤلات خاصة مع مقاطع الفيديو التي بثها الإعلام الإيراني وتظهر البحارة الأميركيين بصورة مهينة وهم راكعون على الأرض وأيديهم خلف رؤوسهم.
وتطورت الأزمة على مدى الساعات الأربع والعشرين الماضية، بدءا باعتقال قوات الحرس الثوري الإيراني، مساء الثلاثاء، أفراد طاقم البحارة وهم يستقلون اثنين من الزوارق الدورية التي كانت في طريقها من الكويت إلى البحرين. وقالت وسائل الإعلام الإيرانية إنه تم احتجاز الزورقين وطاقم البحارة الأميركي المكون من تسعة رجال وامرأة بتهمة دخول المياه الإقليمية. ولم تكشف إيران عن مكان احتجاز البحارة والزوارق.
في هذه الأثناء، أشارت تقارير وسائل الإعلام الأميركي، نقلا عن وكالة «رويترز»، إلى أن إيران تطلب اعتذارا من الولايات المتحدة بعد انتهاك مشاة البحرية الأميركية للمياه الإقليمية الإيرانية. في المقابل، قالت وزارة الدفاع الأميركية إن واحدا من زوارق الدورية للبحرية الأميركية واجه مشاكل ميكانيكية في طريقه من الكويت إلى البحرين في مهمة روتينية. وقدم البنتاغون هذا التفسير للجانب الإيراني، وقال مسؤول عسكري إن إيران تقبلت هذا التفسير ووعدت بمناقشة ومتابعة الأمر.
من جهته، أكّد بيتر كوك، المتحدث باسم البنتاغون: «نحن على اتصال مع إيران، ونتلقى تأكيدات بأنه سوف يتم الإفراج عن طاقم البحارة والزوارق فورا». وتوقع أن يتم ذلك صباح أمس الأربعاء. وأشار المسؤولون بالخارجية الأميركية إلى أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أمضى عدة ساعات في اتصالات مباشرة مع نظيره الإيراني جواد ظريف لحل الأزمة، والإفراج عن البحارة بسرعة.
وقبل دقائق من خطاب أوباما أمام الكونغرس، مساء أول من أمس، حول حالة الاتحاد، اكتفى وزير الخارجية الأميركي بالقول إن أزمة البحرية ستحل قريبا جدا.
وصباح أمس، أصدرت القيادة البحرية المركزية الأميركية في البحرين بيانا أكدت فيه الإفراج عن البحارة الأميركيين، وقالت فيه إنه لا توجد مؤشرات على أن البحارة الأميركيين تعرضوا للأذى خلال فترة اعتقالهم، مؤكّدة أن البحرية الأميركية ستحقق في الظروف التي أدت إلى وجود البحارة قرب المياه الإيرانية.
من جهتها، بثت المواقع الإخبارية الإيرانية صورا أظهرت تعابير مرتبكة لوجوه البحارة الأميركيين، بدا البعض فيها مبتسما، والبعض الآخر مضجرا ومتعبا. وقالت وسائل الإعلام الإيرانية، نقلا عن الأميرال علي فدوي بالحرس الثوري الإيراني، إن «التحقيقات خلصت إلى أن قوات مشاة البحرية الأميركية لم يدخلوا المياه الإقليمية عمدا، وأن اعتداءهم على المياه الإقليمية لم يكن معاديا أو لأغراض التجسس، وبعد اعتذارهم تم الإفراج عنهم صباح الأربعاء بتوقيت واشنطن».
وأصدر وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر بيانا أثنى فيه على حلّ وضع البحارة الأميركيين والإفراج عنهم في الوقت المناسب، وأعقبه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ببيان أشاد فيه بالتعاون الدبلوماسي مع إيران لتأمين العودة السريعة للبحارة الأميركيين، وأعلن أن البحارة الأميركيين غادروا إيران سالمين.
وجرى نقل البحارة بواسطة طائرات البحرية الأميركية إلى واشنطن، وفقا لما صرح به البنتاغون، بينما تواصل الزوارق البحرية طريقها نحو البحرين. وقال دينيس ماكدونو، رئيس موظفي البيت الأبيض، في لقاء مع الصحافيين صباح أمس، إن الإفراج عن البحارة الأميركية يعد نجاحا للدبلوماسية الأميركية ونجاحا لقناة الاتصالات المفتوحة بين وزير الخارجية جون كيري وجواد ظريف والتي تعد مهمة للغاية.
وفي مقابلة بثتها شبكة «سي بي إس» الأميركية مع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، نفى هذا الأخير اعتذار الولايات المتحدة لإيران، فيما كتب جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، تغريده نفى فيها ما تردد في الإعلام الإيراني عن اعتذار أميركا لطهران، قائلا: «ليس هناك ما نعتذر عنه».
في السياق ذاته، ألقى كيري خطابا حول السياسة الخارجية الأميركية أمام جامعة الأمن الوطني العسكرية، أبدى فيه سعادته بالإفراج عن البحارة، وقال «أشكر الإيرانيين لتعاونهم وسرعة الاستجابة، وأنا ممتن للاستجابة السريعة، وكل المؤشرات تدل على أنه تمت رعاية البحارة وإمدادهم بالغذاء والبطاطين». وشدد كيري على أن حل أزمة البحارة تم سلميا بما يعد شهادة لدور الدبلوماسية في حماية البلاد. وأشار إلى أنه لو تم هذا الحادث قبل أربع سنوات لكان الأمر مختلفا.
وبث التلفزيون الإيراني صورا مثيرة للحظات اعتقال قوات الحرس الثوري الإيراني للبحارة الأميركيين، وبثت وسائل الإعلام الأميركي الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر البحارة في القاعدة الأميركية وأيديهم على رؤوسهم، بينما يقوم الجنود الإيرانيون بتفقدهم وهم يحملون المدافع الرشاشة.
وأشار المحللون إلى أن سرعة إفراج إيران عن البحارة تقف في تناقض حاد مع حادثة احتجاز مشابهة أقدمت عليها طهران مع مشاة البحرية البريطانية في عام 2007، وتطور الأمر إلى أزمة دولية بعد أن ألقى الحرس الثوري الإيراني القبض على 15 من مشاة البحرية البريطانية بعد اتهامهم بدخول المياه الإقليمية. وتم احتجازهم لمدة 13 يوما، ثم أطلقت حكومة الرئيس أحمدي نجاد سراحهم.
ولفت المسؤولون الأميركيون إلى أن الإجراءات الأخيرة من قبل الحرس الثوري الإيراني ضد قوات البحرية الأميركية في الخليج ربما تهدف إلى إحراج وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف والرئيس حسن روحاني قبل الانتخابات البرلمانية التي تجرى في شهر فبراير (شباط) المقبل.
طهران تفرج عن البحارة الأميركيين بعد اتهامهم بدخول المياه الإقليمية الإيرانية
جدل حول مطالبة طهران باعتذار ونفي واشنطن تقديم اعتذارات
طهران تفرج عن البحارة الأميركيين بعد اتهامهم بدخول المياه الإقليمية الإيرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة