حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حول الخصوصية السعودية

تمر الدول بحالات مختلفة من التطور والتبدل الاجتماعي والاقتصادي، بحسب الظروف والأوضاع التي تطرأ عليها وتؤثر عليه.
وفي السعودية ارتبطت فكرة التردد في التغيير وقبول الأفكار الجديدة بحاجز عرف مع مرور الوقت «بالخصوصية السعودية»، وكان من الممكن «فهم» مغزى هذه الكلمة، في ظل وجود رغبة من الدولة في إدارة التحول بحكمة في مجتمع ينقل من حال إلى حال، ويدخل لمجتمع المدنية ومتطلباته ومتغيراته وتحدياته، كان الحرص وقتها على الحد من آثار التغيير السلبية المتوقعة والتي قد تأتي بقوة.
هذا الطرح كان مقبولا وشيئا من السابق، ولكن اليوم وفي ظل الانفتاح السعودي على العالم، والدور القيادي الذي تقوم بلعبه في المنطقة، لم يعد من الممكن القبول بفكرة الخصوصية السعودية كجدار عازل عن العالم، فهذه الخصوصة لم تعد تليق بدولة في صدارة العالم العربي والإسلامي، ودولة عضو في تكتل مجموعة العشرين التي تقود العالم اقتصاديا.
الخصوصية السعودية كانت سدا أمام الانفتاح الثقافي على العالم والتعرف على الفنون والآداب من الحضارات والثقافات المتنوعة، كذلك كان لهذه الخصوصية نفسها الدور المانع في الانفتاح على المؤسسات التعليمية العملاقة لفتح فروع لها في السعودية، وكذلك الأمر بالنسبة للتردد في فتح الأسواق بشكل كامل، لجذب الاستثمارات بأسلوب منافس ومغر، وهو الحاجز الذي وقف عائقا من الاستفادة من مئات الآلاف من العاملين في مجال التجارة الموازية، والتي يطلق عليها اسم «التستر» بدلا من تقنين وضعهم بشكل قانوني ونظامي، وإخضاعهم لأنظمة السعودة والضرائب، ومنحهم حق التملك بدلا من إبقاء هذه المنظومة الاقتصادية الفعالة والمهمة خارج الإطار الاقتصادي النظامي، وعدم الاستفادة من مئات من المواهب الفريدة في بلادها من جنسيات العالم، وتمكينهم من الحصول على جنسية البلاد للاستفادة القصوى منهم، وذلك بالسماح لهم بالتملك العقاري والمشاركة في الاستثمار المحلي بشكل علني.
الخصوصية السعودية هي التي كانت من أكبر عوائق تطوير التعليم بشكل ممنهج، وتقديم العلم والثقافة للطلبة بشكل يليق بدولة كبيرة هي جزء مهم من العالم، وليست في حالة انعزال عنه أو في حالة خصومة معه.
السعودية انفتحت على العالم ببرنامج ابتعاث طموح للغاية، أرسلت من خلاله أكثر من مائة ألف طالب إلى أكثر من أربعين دولة حول العالم، في خطوة مهمة للانفتاح على العالم، وكذلك كان الأمر بخصوص مبادرة حوار الأديان والحضارات.
الخصوصية السعودية استخدمت بشكل غريب من قبل كثير من المتشددين دينيا واجتماعيا لإبقاء السعوديين «منعزلين» عن كثير من التطورات الاجتماعية الطبيعية، التي تحصل في المجتمعات المحيطة، وخصوصا أن ذلك لا يتعارض مع الأعراف ولا مع أحكام الدين. الخصوصية السعودية يجب أن تستبدل بحالة من الثقة بالمجتمع للانفتاح على العالم، لتكون السعودية جزءا متكاملا منه فهي بعد ما يقارب من تسعة عقود من تأسيسها كونت إرثا تراكميا من الخبرة والتعامل مع الآخر، ولكن اليوم نعيش في عالم يتفاعل وجيل جديد لديه متطلبات مختلفة، تتطلب انفتاحا على العالم بشكل إيجابي ومفيد. الخصوصية السعودية كانت مفهوما مقبولا لفترة مضت، ولكن هذه الفترة انقضت، ولم يعد من الممكن تحت مظلة هذه العبارة الاستمرار في بناء ذهنية تعزل وتبعد وتغرب.
نهاية الخصوصية السعودية مسألة يجب ألا تثير المخاوف، بل إنها شهادة ثقة في مجتمع وأبنائه وجاهزيتهم للتعامل مع العالم.