علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

متاهة المرشد والرئيس

اختارت الثورة الإيرانية منذ البداية الصراع مع جوارها الإقليمي المختلف عنها، لكن لا توجد لديه مشكلات في التعاون أو التعايش معها. وكانت نقطة الاشتعال التي جاءت مبكرة جدًا هي آيديولوجيا تصدير الثورة، والمشكلة أنها متأخرة زمنيًا، فقد كان العالم العربي شبع من هذه الآيديولوجيا التي كانت تجافي الواقع وظروف كل دولة، وارتباطات المنطقة دوليًا.
اخترعت إيران حكاية تهديد السفارات الموجودة على أرضها، وبدأ ذلك بالسفارة الأميركية واقتحامها، في مخالفة للمواثيق والأعراف الدولية، كما اخترعت حكاية الميليشيات أو القوى الموازية للدولة والتي لا تحمل صفة رسمية لاستخدامها في المواجهات ثم التنصل من المسؤولية، وللأسف تبنى البعض هذه الآفة في العالم العربي لتتآكل الدول لصالح منظمات تنازعها القوة والسلطة فدخلنا زمن العصابات، وأصبحت هناك حروب تشتعل بفعل هذه الجماعات التي أخذت قرار الحرب والسلام في يدها، ويتحمل البلد كله النتائج، مثلما حدث في لبنان بفعل حزب الله. كما اخترعت نظامًا معقدًا للسلطة يسمح لها بالتهرب من الالتزامات، فيحتار العالم بين متاهة المرشد والرئيس، وتضيع المسؤولية.
أبرز سنوات الصراع كانت الثمانينات والحرب العراقية - الإيرانية التي تكبد فيها البلدان خسائر فادحة على الصعيدين البشري والاقتصادي، وانتهى البلدان حيث بدآ من دون أي مكاسب، حتى حدثت مغامرات صدام حسين التي أوقعته في مشكلة كبيرة مع المجتمع الدولي والدول العربية، وكانت إيران المستفيد الأكبر خاصة بعد حرب الخليج الثانية والانسحاب الأميركي، فتوسع نفوذها وأصبحت هناك ميليشيات موالية لها، واتسع نطاق الفوضى.
الدول العربية كانت دائمًا مرتابة في النشاط الإيراني على أراضيها، خاصة حيال محاولات زرع جماعات موالية لها في مجتمعاتها، لكنها في نفس الوقت أظهرت حسن النية عشرات المرات كلما رأت أن هناك محاولة لمد اليد، في زمن خاتمي، وكذلك رفسنجاني، وكان هناك أيضًا ترقب لحدوث تحول في بداية رئاسة روحاني، لكن الرياح جاءت في اتجاه معاكس.
أصبحت إيران الآن طرفًا مباشرًا في تأجيج الأزمات من سوريا إلى العراق ولبنان حتى اليمن، بتصدير السلاح وخلق ميليشيات موالية لها تهدد الأمن الإقليمي العربي وتحاول خلق أمر واقع جديد في جغرافية المنطقة يعزز مصالحها. وبما أنها ليست لديها الأدوات أو القوة المناسبة للهيمنة، فإن استراتيجيتها هي زعزعة الاستقرار لإضعاف الآخرين.
لن تعلن الدول العربية عندما تجتمع يوم الأحد، بطلب سعودي، الحرب على إيران، فهذا ليس واردًا في استراتيجية العرب، لكن على الأرجح فإنها ستسعى إلى توجيه رسالة جادة إلى إيران بأن الصبر له حدود، وأن الحل ليس صعبًا ويرتكز على تغيير الاتجاه، والتعاون في إطفاء بؤر التوتر التي أشعلتها، خاصة في سوريا واليمن، المهم أن تلتقط إيران الرسالة، خاصة بعد قرارات السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية ووقف رحلات الطيران والتجارة. والمؤمل أن تكف طهران عن الإشارات المتضاربة التي اعتادت عليها، وأن تدرك أن حجم المصالح وإمكانيات التعاون أكبر من الصراع وخلق القلاقل.