نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

«داعش» بتوقيع أرينز

تشتعل في إسرائيل حمى حوار حول الإرهاب اليهودي، ويقود هذا الحوار مفكرون استراتيجيون ومسؤولون من الدرجة الأولى في السلطة وخارجها، والخلاصة الأولية لهذا الحوار هي الإدانة لأفعال من وصفهم موشيه أرينز أحد أقطاب الليكود بدواعش اليهود، غير أن الذين يدينون هذا النوع من الإرهاب، ويحذرون من آثاره على الدولة العبرية، وما يصفونه بالقواعد الأخلاقية التي تحكمها، ما زالوا بمعظمهم يتعاطون مع هذه الظاهرة المرعبة كما لو أنها مجرد مخالفات للقانون أو أعمال مجموعات صغيرة تخطط تحت جنح الظلام، وأن معالجة هذه الظاهرة تكون بتشديد الرقابة ويقظة أجهزة الأمن وتقديم الفاعلين للقضاء.
قليلون في إسرائيل وضعوا النقاط على الحروف، واعتبروا طريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الشأن الفلسطيني على أنها مفاعل التحريض الأقوى الذي ينتج أسوأ أعمال الإرهاب وأفدح أنواع الجرائم، وهنا أستعير جملاً من مقالة بالغة الأهمية نشرت في «يديعوت أحرونوت» تحت عنوان «المتطرفون اليهود أعشاب غير شاذة».
«المراقب الخارجي سيتبين أن المشبوهين بالقتل في دوما هم شبان مستقيمو التفكير، يفهمون لماذا مسموح الإعلان عن كل أراضي الجمهور الفلسطيني كأرض للمحتلين، ومسموح السطو على الأراضي الخاصة للفلسطينيين، ومسموح سرقة الأموال من الصندوق العام، ونقلها بألاعيب مختلفة ومتنوعة إلى المستوطنين، ومسموح مضايقة الفلاحين الفلسطينيين وإبعادهم عن أراضيهم المجاورة لأسيجة بلدات اليهود، ومسموح أن تهمل الشرطة في القبض على مبيدي الزرع الفلسطيني، ومسموح للحاخامين وطلابهم أن يروجوا للعنصرية».
حين يكون هذا كله مسموحًا به من قبل الحكومة فإن المنطق الصحيح يقول إن حاضنة الإرهاب اليهودي هي السياسة العامة لإسرائيل، وليس مجرد أولاد يشحذون السكاكين في زوايا نائية وتحت جنح الظلام، إن كلمة السر الغائبة عن الجدل المحتدم في إسرائيل هي الاحتلال وغياب أي محاولة جدية لفتح مسار سياسي مقنع، ذلك أن الحلول البوليسية التي يجري اعتمادها والتمسك بها في معالجة الإرهاب اليهودي وما يسميه الإسرائيليون الإرهاب الفلسطيني، لن تؤدي إلا إلى مزيد من النزوع المتبادل نحو العنف، كما تؤدي إلى تفشي ظاهرة خطيرة كلما مر الزمن يستحيل إيجاد حلول لها، وهي فقدان السيطرة وعدم الاهتداء إلى مرجعية قيادية تملك القدرة على وقف الأنشطة التلقائية التي ينتجها واقع الحال وليس البرامج والتشكيلات السياسية، وحين تقر إسرائيل بأن لديها «داعش» خاصة بها، وتقر كذلك بأن الحكومة تدير سياسة منهجية يستباح فيها كل شيء فلسطيني، فإن «داعش» اليهودية لن تقتصر في هذه الحالة على حفنة من الخارجين على القانون، بل إنها أكبر من ذلك بكثير وأعمق تأثيرًا على واقع إسرائيل التي، ومن خلال استمرار الاحتلال وتفشي ظاهرة الإرهاب اليهودي، لم تعد قادرة على القول إنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط ومجمع القيم والأخلاقيات الراقية التي يفتقر إليها المحيط الفلسطيني والعربي.
إن الذين يتحدثون عن «داعش» اليهودية هم سدنة الاحتلال والمتحفظون على أي مبادرة سياسية بناءة تجاه الفلسطينيين، فموشيه أرينز مثلاً كان وزيرًا للخارجية وللدفاع في أوج حكم الليكود الاستيطاني والإلحاقي، وحين يحذر من احتمالية نمو «داعش» اليهودية واتساع تأثيرها في الحياة السياسية الإسرائيلية، فإنه يغمض عينيه عن الجزء الأهم للحقيقة، وهو حتمية التوجه إلى حل سياسي جذري مع الفلسطينيين، وأن كل شهر يمر دون التفكير الجدي للإقدام على الحل سينتج مائة «داعش» يهودية، وساعتئذ لن تقوى كل الترسانة العسكرية والأمنية والاستيطانية الإسرائيلية على إيجاد الحلول.
ألم يكن باروخ غولدشتاين منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي نواة لـ«داعش» اليهودية؟ ثم ألم يكن إعدام إسحق رابين في ميدان ملوك إسرائيل نواة أخرى للظواهر التي يشكو منها الآن موشيه أرينز ويعجز عن اقتراح حلول ناجعة لها؟
حين تجمع الطبقة السياسية الإسرائيلية على اعتبار «داعش» اليهودية مجرد تشكيل خارج عن القانون وتصر في ذات الوقت على أن القانون الأساس هو بقاء الاحتلال إلى ما لا نهاية، هنا تكمن المعضلة التي ستبقى وتتفاقم وتتسع دون أن تجد حلاً.