كشف مسؤولون رفيعو المستوى بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن أن السلطات السويسرية أضاعت منذ 13 عاما فرصة لتطهير المؤسسة الدولية والتحقيق مع رئيسها جوزيف بلاتر بشأن اتهامات بالاحتيال والفساد وسوء الإدارة كانوا قد أثاروها في دعوى قضائية رفعوها عام 2002.
وكان بلاتر، الذي صرح أنه سوف يطعن أمام المحكمة الرياضية على الحكم الذي أصدرته لجنة القيم بالاتحاد الدولي الاثنين بإيقافه عن العمل لثماني سنوات لإدانته بسوء الإدارة وتضارب المصالح، تعرض لاتهامات عام 2002 من قبل سكرتير عام الـ«فيفا» حينها مايكل زين رافنين بشأن سوء الإدارة، وهى اتهامات تماثل إلى حد بعيد المزاعم المثارة حاليا ضده.
وفى مسعى واضح لتطهير أكبر مؤسسة دولية لإدارة كرة القدم في العالم، تقدم 11 عضوا من إجمالي 24 عضوًا بالمكتب التنفيذي لـ«فيفا» بدعوى جنائية إلى إحدى المحاكم بمدينة زيوريخ بشأن الطريقة التي أدار بها بلاتر المؤسسة الدولية، مطالبين بالتحقيق في المزاعم التي أثارها زين رافنين، التي استندت إلى مستندات من 300 صفحة.
ودأب بلاتر على إنكار أي اتهام بارتكاب أخطاء وترديد أن المزاعم المثارة غير حقيقية وأن منافسيه في الانتخابات التي جرت عام 2002 هم من يروجون لها. وتبنى الكاميروني عيسي حياتو، الذي يتولى رئاسة «فيفا» بالإنابة حاليا بعد قرار إيقاف وحظر بلاتر، موقفًا معارضًا لبلاتر واتهمه بارتكاب «مخالفات قانونية يستحق اللوم عليها». غير أنه بعد فوزه في الانتخابات، انتقد بلاتر منتقديه بشدة وسخر من زين رافنين بأن لقبه بـ«السيد نظيف»، ثم صرح قائلا: «ألقيت برافنين خارج الباب».
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2002، أعلن النائب العام في زيوريخ عدم اتخاذ أي إجراء ضد «فيفا» وبلاتر وقرر إغلاق التحقيق، وزاد بأن صرح بأن المدعين أنفسهم هم من «يستحقون اللوم» وبأن «قضيتهم استندت إلى اتهامات زائفة».
وكان السويدي لينارت يوهانسون، رئيس الاتحاد الأوروبي حينها، من بين أعضاء المكتب التنفيذي الذين تقدموا بالشكوى الجنائية ضد بلاتر. وخسر يوهانسون الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1998 التي واجه بلاتر خلالها اتهامات قوية بشراء الأصوات، وهي الاتهامات التي أنكرها بلاتر بقوة. ويشدد يوهانسون على أنه كان من المفترض وقتها إجراء تحقيق دقيق مثل التحقيق الذي يجريه المدعي العام السويسري مايكل لوبير والسلطات الجناية الأميركية حاليًا.
ووضعت السلطات القضائية يدها بالفعل على جميع الملفات داخل مقر «فيفا» في زيوريخ، بما فيها مكتب بلاتر، واستولت على المعدات والبيانات بأجهزة الكومبيوتر، وتتحرى الآن العشرات من الحسابات البنكية المرتبطة بـ«فيفا» في البنوك السويسرية. ويقول يوهانسون والفريق المؤيد له أنه كان من الممكن تجنب عهد من الفساد وسوء الإدارة التي أساءت إلى سمعة الـ«فيفا» لو أن السلطات السويسرية حينها لم تتعامل مع القضية بهذا الشكل المخزي.
وصرح مصدر مطلع على القضية التي أثيرت عام 2002 لصحيفة الـ«غارديان» أن المدعى العام في زيوريخ لم يجرِ أي تحقيق على الإطلاق، عكس ما نراه اليوم من تحقيقات جادة، ولم يكلف نفسه عناء التواصل مع زين رافنين في أي مرحلة لمناقشة المزاعم المثارة أو لطلب ما بحوزته من أدلة جمعها خلال سنوات عمله الأربع التي قضاها سكرتيرًا عامًا، وهو أعلى منصب تنفيذي في الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وقال يوهانسون: «أشعر أن السلطات السويسرية قد خذلت الـ(فيفا)، وخذلت كرة القدم بشكل عام، فقد كان بحوزتهم الأدلة بعد أن رفعنا دعوى في المحكمة نطلب فيها إجراء التحريات، وكان لدينا محاميون سويسريون يساعدوننا في إقامة الدعوى، لكننا خسرنا واستمر بلاتر يحكم قبضته على كل شيء. أشعر أننا قد خُذلنا وأنه يتحتم الآن على الأميركان والسويسريين أن يحققوا في كل شيء بدقة».
وأفاد بير أومدال، رئيس الاتحاد النرويجي لكرة القدم وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي، والذي دعم الشكوى الجنائية ضد بلاتر أيضًا، أن زملاءه من أعضاء المكتب التنفيذي كان لديهم شعور بعدم الارتياح للطريقة التي تدار بها الأمور المالية وعدم الشفافية في الـ«فيفا» في هذا الوقت. وأضاف أومدال أن «الغموض والتكتم الشديدين كانا يحيطان دوما بموضوعات مثل تمويل مشروعات التنمية الدولية، والضوابط، ومراجعة الحسابات، وراتب بلاتر الذي لم يُكشف أبدا. لقد عبرنا عن قلقنا وقلنا إن ما يحدث يعتبر خطأ كبيرا، لكن السلطات السويسرية لم تبد اهتماما، لا أستطيع تأكيد إن كان بالإمكان تجنب سنوات من سوء الإدارة، لكن هذا ما نشعر به».
وبعد رفض الدعوى، استمر بلاتر رئيسا لمدة 13 عاما بعد ذلك حتى جرى إيقافه هذا الأسبوع. وخلال هذه الفترة ارتفعت عائدات الـ«فيفا» من حقوق البث التلفزيوني لمباريات كأس العالم والرعاية لتصل إلى عدة مليارات من الدولارات، وثبتت الكثير من وقائع الفساد الكبرى في الـ«فيفا».
اعترف كبار أعضاء المكتب التنفيذي لـ«فيفا»، ومنهم الأميركي تشاك بليزر الذي دعم بلاتر في الانتخابات التي جرت عام 2002، باعتيادهم تقاضي رشى، إضافة إلى 27 متهما آخرين يواجهون تهما بالفساد في الولايات المتحدة حاليا. وشملت الاتهامات ثلاثة من كبار مؤيدي بلاتر في انتخابات 2002 هم: التريندادي جاك وارنر، والبرغواياني نيكولاس ليوز، والبرازيلي ريكاردو تيكسيرا، وجميعهم أنكروا الاتهامات.
ونظرًا لأنه أمضى أربع سنوات في أعلى المناصب التنفيذية بالـ«فيفا»، استطاع زين رافنين إعداد ملف من 21 صفحة في مايو (أيار) 2002 شمل قائمة بالمخالفات منها منح بلاتر لحقوق البث التلفزيوني مقابل أقل من نصف قيمتها التجارية، ودفع مبالغ مالية لبعض الأفارقة العاملين في كرة القدم الذين ساندوه. وخُصص جزء كبير من ملف المخالفات لوارنر، رئيس اتحاد شمال ووسط أميركا ومنطقة الكاريبي لكرة القدم (كونكاكاف) في ذلك الوقت، شمل ادعاءات بشطب دين بقيمة 6 ملاين دولار أميركي من دون سبب وأن حقوق البث التلفزيوني لمباريات كأس العالم جرى بيعها لوارنر بأقل من قيمتها الفعلية، وهو الادعاء الجنائي المثار ضد بلاتر الآن والذي يحقق فيه المدعى العام لوبير.
دعم زين رافنين ملفه بنحو 300 صفحة من المستندات الداخلية التي استطاع الوصول إليها بحكم عمله بمقر الـ«فيفا»، وقام بتوزيع تلك المستندات على جميع أعضاء المكتب التنفيذي الأربع والعشرين. واشتملت قائمة المدعين الذين تقدموا بالشكوى الجنائية: يوهانسون وأومدال وحياتو، وممثل بريطانيا حينها ديفيد ويل، وهو محام وشغل منصب رئيس الاتحاد الاسكوتلندي وتوفي عام 2009.
وعندما طُلب منه رسميا النظر في القضية، قال المدعي العام في زيوريخ عند إغلاقه ملف التحريات في القضية إن أعضاء المكتب التنفيذي لـ«فيفا» اشتكوا من بعض العمليات المالية التي اعتمدوها بأنفسهم، وهو ما استند إليه النائب العام في تصريحه بأنهم هم من «يستحقون اللوم» وأنهم «استندوا إلى اتهامات غير حقيقية». وجعل هذا الموقف أعضاء المكتب التنفيذي عرضة للإجراءات القانونية التي اتخذها بلاتر بنفسه مما جعلهم يقدمون على سحب شكواهم.
من جانبهم، برر أعضاء المكتب التنفيذي موقفهم بأنهم لم يكونوا على دراية كاملة بخلفيات بعض القرارات المالية التي أقرها المكتب التنفيذي وأن الأدلة التي تقدم بها زين رافنين كانت بمثابة جرس إنذار لهم دفعهم لرفع الدعوى.
وصرح رولاند بوتشيل، عضو البرلمان السويسري الذي شن حملة ناجحة لسن قانون جديد لتجريم الرشوة، بأنه يعتقد أن هناك ثمة ثقافة سائدة تشجع على التسامح مع الـ«فيفا» وغيرها من الاتحادات الرياضية الدولية التي تتمتع بالإعفاء الضريبي في سويسرا، مضيفًا أن السبب في هذا الوضع يعود للاعتقاد أن وجود هذه الاتحادات الدولية على أرض سويسرا يفيد سمعتها الدولية، إضافة إلى تمتع سويسرا بميزة أن لها عاملين مؤهلين متعددي اللغات يعملون في هذه الكيانات. واستدرك بوتشيل أنه «يشعر بالأسى لعدم اتخاذ خطوات لتصحيح هذا الوضع»، مضيفًا أن «النائب العام، والإعلام، والساسة كلهم أهدروا الفرصة، غير أن دعاية الـ(فيفا) أبلت بلاء حسنا لسنوات وتغيرت الأحوال بالتدريج، وعلينا أن نعترف أن دخول الولايات المتحدة على الخط كان أمرا مهما».
محامو بلاتر لم يستجيبوا لكثير من الأسئلة حول المزاعم التي أثيرت عام 2002 والتي دأب بلاتر على نكرانها. وأكد المتحدث باسم النائب العام في زيوريخ أن القضية أُغلقت حينها للأسباب التي سيقت في ذلك الوقت، وأن «دواعي السرية» تقتضي عدم إعطاء المزيد من التفاصيل.
السلطات السويسرية أضاعت فرصة التحقيق مع بلاتر في 2002
رافنين جمع كل الوثائق التي تدين الـ«فيفا» لكنه لم يسلم من انتقام رئيس الاتحاد الدولي
السلطات السويسرية أضاعت فرصة التحقيق مع بلاتر في 2002
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة