سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

حدود الوساطة

بلغ عدد المبعوثين الدوليين إلى ليبيا حتى الآن أربعة. كان أولهم، بُعيد الثورة، الدكتور طارق متري، الوزير اللبناني. وقد فُهم منه، بعد انتهاء مهمته، أنه لم يكن قادرًا على التحرك للقاء الفرقاء المتقاتلين. ولا أعرف اسم المبعوث الأخير، لكوني أخشى أن يكون قد تغير بعد صدور هذا المقال. وكما حدث للوسطاء الدوليين في سوريا، يحدث لهم في ليبيا، عبر مقالات الزعماء العرب. فهم مجرد مرتزقة أتوا لتسجيل الفواتير وقبضها. ويعامل الزملاء السادة المبعوثين كأنهم يملكون الحلول السحرية للقضايا والحروب، لكنهم يبخلون بها من أجل الاستمرار في قبض الرواتب والمصاريف. وفي البداية، كانت المهمة الدولية تعطي صاحبها قدرًا من الشهرة، كما حدث في سوريا، أول الأمر، مع كوفي أنان، ثم الأخضر الإبراهيمي، الذي يبدو أنه ختم مهنته كوسيط دولي في النزاعات العاصية، وربما ختم أيضا دوره كمستشار شبه دائم للأمين العام للأمم المتحدة، في القضايا الشديدة التعقيد، وهي في الحقيقة، لا عدّ لها ولا حصر.
لماذا نجح الأخضر الإبراهيمي في حرب لبنان، وفشل في حرب سوريا؟ ولماذا كان قد فشل قبله في لبنان الوسطاء المصريون والتونسيون وغيرهم؟ الجواب وحيد واحدٌ دائمًا. هو أن الوسيط لا يفشل، وإنما الحروب الأهلية هي التي تطول ما دام هناك من يؤججها، ومن يمولها ومن يمدّها بالسلاح والمرتزقة والأحقاد. أعتقد أن أفضل من قدّم قراءة مبكّرة للنزاع السوري كان الأخضر الإبراهيمي. وبقدر ما يستطيع المبعوث الدولي أن يُفصح في هذه القضايا، فقد تكهّن الإبراهيمي، آنذاك، بكل ما يحدث اليوم. بل وكان مترددًا، في الأساس، في قبول المهمة، لإدراكه المُسبق باستحالة الوصول إلى حل، أو تسوية، أو مجرد هدنة قتالية، ليتنفس خلالها السوريون، ويتوقفوا عن النزف اليومي، دمًا واقتصادًا وعمرانًا وهجرةً.
خلاصة القول: إن الوساطة الدولية عمل نبيل لا يصل غالبًا إلى أي شيء عندما تكون الإرادات الدولية سيئة النوايا، غير عابئة بمصائر الناس والأمم. وخلال عملي الطويل في هذه المهنة، لا أذكر أن وسيطًا أمميًا سجّل أي نجاح في أي مهمة، باستثناء ذالك النجاح اليتيم الذي حققه السيناتور جورج ميتشل في آيرلندا الشمالية، لكن ميتشل نفسه خرج خائبًا وسريعًا من وساطة قصيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل. مما يعني أن المعطيات هي التي أنجحته في آيرلندا، وليس فقط كفاءاته السياسية العالية، ونعمة الصبر الطويل التي يجب أن يتمتع بها المفاوضون.
يقدم لنا الوسطاء الدوليون كل ما يملكون. وكل ما يملكون هو الخبرة والدبلوماسية والنوايا الحسنة، وهذه جميعًا يمكن أن يفسدها، في لحظة واحدة، فصيل مقاتل في بنغازي، أو الرقة، أو الموصل.