مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

إعلان غير مدفوع الثمن

هناك إعلان عمره ما لا يقل عن (2500) سنة، عثر عليه في الأقصر بمصر، وإذا أراد أحد منكم أن يشاهده فهو معروض الآن في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة.
وهذا الإعلان مكتوب باللغة اليونانية القديمة ونصّه: أنا (رهينو) أفسر الأحلام بأمر الآلهة.
وبهذا تكون الأحلام هي أول سلعة يعلن عنها في تاريخ الإعلانات التجارية (الخزعبلاتية).
المضحك غير المبكي أن التاريخ لا يزال (يراوح) في مكانه، وإذا كنتم لا تصدقونني، فاقرأوا المجلات والجرائد، وشاهدوا المحطات الفضائية، لتجدوا السذّج العميان يتهافتون على مفسري الأحلام مثلما يتهافت الفراش على لهيب النيران.
يا هوه، يا ناس، أإلى هذه الدرجة وصلت السذاجة عندكم؟!
ولكني وبعد شيء من التروّي وجدت لكم العذر بعد أن قرأت أن منظمي مسابقة لانتخاب ملكة الجمال في ولاية (البرتا) الكندية، قد عينوا (هارولد غريس) الأعمى عضوًا في لجنة التحكيم، ويا ليتني كنت ذلك الأعمى، فعلى الأقل إن فاتني النظر، فلن يفوتني اللمس، وهو لا يختلف عن مفسر الأحلام، فكلاهما يكشف المستور.
وبما أنني لست أعمى فقد قررت من اليوم وصاعدًا أن أكون مفسرًا لأحلام الصبايا، ومن كان لديها حلم أطار النوم من جفنيها، فلتتصل بي وسأجيبها سريعًا وعلى أحر من الجمر.
وللمعلومية، فهذا إعلان غير مدفوع الثمن.
***
هناك صديق كنت أظنه أهبل، إلى أن سمعت حوارًا كان يدور بينه وبين ابنته التي لا يزيد عمرها على 12 سنة، عندما سألته قائلة:
إيه الفرق يا بابا بين الغضب والسخط؟!، فقال لها:
إذا كنت تريدين أن تعرفي ذلك فسوف أثبت لك ذلك الآن عمليًا.
فما كان منه إلاّ أن كتب رقمًا عشوائيًا وكيفما اتفق - كل هذا كان يجري أمامي وأنا مشدوه -، وبعدها تناول تليفونه المحمول واتصل بالرقم وترك (الاسبيكر) مرتفعًا على الآخر، ورد عليه صاحب الرقم قائلاً: نعم، فقال الأب: لو سمحت ممكن أكلم سالم، فجاءه الرد: آسف يا سيدي الرقم غلط، وبعد دقيقة اتصل بذلك الرقم يسأل عن سالم، فجاءه الرد: يا أخي قلت لك إنك غلطان غلطان غلطان ألا تفهم؟!، وبعد دقيقة أخرى اتصل للمرة الثالثة يسأل عن سالم، فما كان من الذي رد عليه إلاّ أن يصرخ بأعلى صوته قائلاً له: لا أبوك لا أبو سالم، يا ابن (......)، ثم أغلق الخط بوجهه.
عندها التفت الأب (الأهبل العبقري) إلى ابنته قائلاً: إن الجواب الثاني يا حبيبتي كان هو الغضب، أما الجواب الثالث فهو السخط بعينه، هل فهمت؟!، فهزت الفتاة الصغيرة رأسها علامة أنها فهمت.
وبعد أكثر من ربع ساعة من التفكير، هززت أنا رأسي علامة أنني فهمت.