تشارلز لين
TT

كفى خلافات حول «داعش»

عقب مذبحة باريس، كان السؤال الذي يتردد على لسان الكثير من الخبراء: كيف سيؤثر الكفاح ضد إرهاب «داعش» على حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة عام 2016؟
والآن وبعد مرور أكثر من أسبوع على الحادثة، أصبح السؤال الأكثر صلة بالقضية هو: كيف ستؤثر حملة 2016 على الكفاح ضد إرهاب «داعش»؟
وبصياغة السؤال على نحو أكثر وضوحًا، هل تستطيع الولايات المتحدة في الواقع أن تشن معركة ناجعة ضد «داعش»، وتتحمل مسؤوليتها العالمية الأوسع، بينما ينشغل قادتنا بمكاسب قصيرة الأمد على صعيد السياسة الداخلية؟
بالتأكيد لم يستطع الأميركيون على الإطلاق تحقيق الإجماع التام حول قضية ما، حتى في خضم أخطر أزمات الأمن القومي. لقد واجه أبراهام لينكولن معارضة شديدة في انتخابات 1864، وصارع وودرو ويلسون المنشقين إبان الحرب العالمية الأولى، وبينما شهدت حقبة الحرب الباردة إجماعًا واسعًا على عداء الاتحاد السوفياتي لكنها اتسمت أيضًا بالاضطرابات الداخلية.
لكن السمة المميزة للمشهد الأميركي الحالي هي السرعة والشراسة المحضة التي تصبح بها كل قضية، مصدرًا للصراع بين الحزبين، وعلى نحو متزايد، داخل الحزبين أيضًا.
بالنسبة إلى الجمهوريين، بدا أن العامل الأكثر أهمية في هجمات باريس ليس إراقة الدماء في حد ذاته، ولكن كونها تدحض ادعاءات الرئيس أوباما حول احتواء «داعش»، أو أن خطة الرئيس المتواضعة لاستقبال لاجئين سوريين بعد فحص خلفياتهم يمكن أن تشكل تهديدًا على الأمن القومي للبلاد، كما جرى استغلالها لإثارة مشاعر قاعدة الناخبين الجمهوريين المعادية للهجرة.
ويعد ذلك موقفًا غريبًا من جانب حزب يمتلك أغلبية في الكونغرس، ويمكنه إذا أراد أن يمرر في الحال إعلانًا للحرب ضد «داعش».
من جانبه، انغمس الرئيس في أمنياته حول التهديد وبدلاً من أن يعدل من مواقفه للتناسب مع طبيعة الخطر القائم، أعرب عن شعوره بالإحباط إزاء التعصب الحزبي للجمهوريين في سلسلة من التصريحات العامة.
لقد قطعنا شوطًا طويلاً من حيث تحقيق التماسك الوطني، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حيث تحولت هذه الهجمة الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة، إلى حدث وحد صفوف الأميركيين بل ودفع خصوم الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش من الديمقراطيين إلى وضع نزاعهم حول انتخابات 2000 خلف ظهورهم، ليمنحوه سلطات واسعة لشن الحرب ودعمًا سياسًيا هائلاً.
لكن حرب العراق والأزمة المالية العالمية فسخت كل ذلك، ودمرت بوش سياسيًا - وأضرت بشرعية القيادة الأميركية للعالم والرأسمالية الأميركية على حد سواء. وأثارت هذه الصدمات تلك المجادلات المحمومة التي ميزت سنوات حكم أوباما، وسرعت من وتيرة الاصطفاف الآيديولوجي والعرقي بين الحزبين.
على مستوى أعمق، ما زال هذا البلد يصارع من أجل التكيف مع أهدافه المعاصرة التي تكمن في إنجاز هيكل دستوري فيدرالي يزدري تصميمه الجوهري الإجراءات الحكومية المركزية الحاسمة. وفي الأزمنة الحديثة، أنشأ الأميركيون دولة الرفاهية ودولة الأمن القومي، لكن الإرث الدستوري القائم على محدودية التدخل الحكومي أكد أن هاتين الدولتين سوف تكونان على الدوام عرضة للتعديل، ومن ثم الهجمات السياسية التي تستند ظاهريًا لقيم أميركية «حقيقية».
إن الولايات المتحدة يحكمها في 2015 ما يصفه بجدارة المؤرخ غاري غيرستل من جامعة كمبردج في كتابه الجديد «الحرية والإكراه»، «حكومة تمتلك قوة ونفوذًا هائلين لكن من دون سلطة كافية».
وستحدد الشهور المقبلة ما إذا كانت السياسة الأميركية ما زالت قادرة على تحقيق توافق كاف لدعم تلك السلطة، مما يمكن الولايات المتحدة من قيادة الحرب ضد «داعش».
إن «داعش» يمثل تهديدًا عالميًا. وفي حال عدم مواجهته، فسوف يخضع الكثير من مناطق العالم إلى الديكتاتورية الدينية، ويرتكب المذابح وأعمال التعذيب بحق «الكفار»، ويستعبد النساء، وفي العموم، سيقوّض أمور الحرية والرخاء والأمن التي ضحت الولايات المتحدة ودول حديثة أخرى بالكثير لكي تحققها.
*خدمة «واشنطن بوست»