خالد محمود
TT

هدية بحجم محطة نووية!

القرارات المؤجلة في مسيرة الإنسان أو حتى الأمم، مثل الفرص الضائعة، لا تصنع تاريخا ولا تبني مجدا.
في حسبة عملية صناعة القرار السياسي، قد يبدو التوقيع على اتفاقية مع روسيا لبناء أول محطة نووية مصرية بعد سبع سنوات من الآن، هو قرار انتحاري، لكنه كان مؤجلا منذ ستين عاما.
هذه "ضربة معلم"، وكبيرة أيضا، إذا صح التعبير، فبينما تجد الدولة المصرية نفسها في موقف من يسند ظهره إلى الحائط ومضطرا طيلة الوقت لكي يدافع عن نفسه، فها هي تنجح رغم النيران الصديقة من الداخل ومكائد الأعداء في الخارج، في الاقتراب من أكبر حلم وطني للمصريين.
صنع عبد الفتاح السيسي في "الضبعة" لنفسه مجدا شخصيا لا شك، لكنه صنع أيضا الكثير من الأعداء في الخارج..
لقد كسر الريس (وليس الرئيس) أحد التابوهات التاريخية والعالمية أمام الدولة والشعب، وبدا أننا قاب قوسين أو أدنى من تلك الفاكهة المحرمة علينا، لكن على الرجل أن ينتبه أكثر لما يحاك له ولنا، وأظنه سيفعل.
حسنا ها هو، الرئيس الخامس للجمهورية المصرية بعد عام 1952، مع إسقاط رئيس الإخوان محمد مرسي من الحسبة، يتلقى في يوم عيد ميلاده أكبر هدية في حياته، بحجم محطة نووية.
سيقول المرجفون في المنطقة وعلى رأسهم جارنا الاسرائيلي الوقح، إن النظام الحاكم في مصر يتجه لامتلاك سلاح نووي، كما سيصعد الأميركيون والبريطانيون من وتيرة انتقاداتهم المتسارعة بالأساس.
الاتفاقية أسكتت منذ اللحظة الأولى بعض الأصوات في مصر التي صدحت بعداء روسيا - بوتين، بعد سقوط طائرتها المنكوبة فوق سيناء، كما أنها أكدت من جديد أن بوتين لا يعتبرنا حليفا مؤقتا بل صديقا استراتيجيا.
"انظر جيدا، قنبلتنا النووية ليست للبيع ولا ننوي مسـاعدة أي دولة عربية أو إسلامية على امتلاكها"، هكذا أخبرني محدثي الباكستاني وهو يشدد على مخارج حروف كلماته، حتى أني جعلت هذه الجملة عنوانا لحواره المنشور لاحقا عبر هذه الصحيفة.
لم أكن أخطط للقائه، لكن الدعوة التي تلقيتها في شهر يونيو(حزيران) عام 2002، باتصال هاتفي من سفارة بلاده، وفرت لي ثلاث ساعات متواصلة لحديث طويل وغير متوقع معه.
كان فاروق أحمد ليجاري رئيس باكستان الأسبق يزور القاهرة بصفته المبعوث الشخصي للرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف، يومها التقيته بعد محادثات أجراها مع الكبار، من دون استثناء.
سألته السؤال لذي لطالما شغلني، لكن إجابته كانت قاطعة "باكستان لا تنوي مساعدة أي دولة عربية أو إسلامية أخرى على امتلاك قنبلة نووية".
روى لي ليجاري الذي امتلك يوما ما بأصابعه وببصمة صوته، إطلاق قنبلة نووية، أن لا أحد من العرب أو المسلمين ساعد بلاده لكي تمتلك قنبلتها الأولى.
وحدها موسكو- بوتين فعلت، وأقدمت على تلك الخطوة الكبيرة باتجاه القاهرة – السيسي، هنا لا اعتبارات عرقية ودينية، فقط الاستراتيجيات والمصالح، تفعل المعجزات فى منطقة الشرق الأوسط.
سيفرح ربما البعض للتوقيع على اتفاقية لإنشاء أول محطة نووية في الضبعة بشراكة روسية، بيد أن عليهم أن يتوقعوا الكثير، لكن تلك قصة أخرى كما يقولون.