بعد 30 عامًا من المساعي الدبلوماسية.. واشنطن تفرج غدًا عن جاسوس إسرائيلي

قضيته أحدثت شرخًا في العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية لعدة سنوات

مواطن إسرائيلي يحمل صورة الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد خلال مظاهرة أقيمت في القدس للإفراج عنه سنة 2008 (أ.ف.ب)
مواطن إسرائيلي يحمل صورة الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد خلال مظاهرة أقيمت في القدس للإفراج عنه سنة 2008 (أ.ف.ب)
TT

بعد 30 عامًا من المساعي الدبلوماسية.. واشنطن تفرج غدًا عن جاسوس إسرائيلي

مواطن إسرائيلي يحمل صورة الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد خلال مظاهرة أقيمت في القدس للإفراج عنه سنة 2008 (أ.ف.ب)
مواطن إسرائيلي يحمل صورة الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد خلال مظاهرة أقيمت في القدس للإفراج عنه سنة 2008 (أ.ف.ب)

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرج غدًا عن جوناثان بولارد، اليهودي الأميركي الذي تجسس لصالح دولة إسرائيل، التي خاضت اختبار قوة مع واشنطن بسبب هذه القضية، وذلك بعد ثلاثين عاما من المساعي الدبلوماسية، والمفاوضات الشاقة، وبعد أن أحدثت قضيته شرخا في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية لعدة سنوات.
وكان القضاء الأميركي قد حكم على هذا المحلل السابق في البحرية الأميركية، الذي حصل على الجنسية الإسرائيلية عام 1995، بالسجن مدى الحياة عام 1987، بعد أن تمت إدانته في تكساس بتزويد إسرائيل ما بين يونيو (حزيران) 1984 حتى اعتقاله في نوفمبر (تشرين الثاني) 1985، آلاف الوثائق المصنفة بأنها «سرية للغاية» حول أنشطة تجسس الولايات المتحدة على عدد من الدول.
لكن بعد ثلاثين عاما بالضبط من الكشف عن قيامه بالتجسس، سيغادر غدا بولارد (61 عاما) زنزانته في السجن الفيدرالي في بوتنر، ولاية كارولينا الشمالية (جنوب شرق)، بعد منحه إفراجا مشروطا الصيف الماضي. وقد تم تحديد موعد الإفراج عنه السبت، لكن ذلك لم يكن مناسبا بسبب تزامنه مع العطلة الأسبوعية لدى اليهود.
وقالت إدارة السجن لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذا يعد من حسن حظ بولارد، إذ تقضي العادة أن يكون يوم الجمعة هو آخر يوم قبل عطلة نهاية الأسبوع.
وبذلك ستختتم ثلاثة عقود من رفض واشنطن بعناد منح العفو، أو تخفيف الحكم عن بولارد، في حين تعتبر إسرائيل أن سجنه لفترة طويلة من جانب حليفها الاستراتيجي يبقى أمرا غير مبرر.
من جهته قال دان أربل، الخبير في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية إنه «مع مرور الوقت اعتبر الرأي العام الإسرائيلي أن بولارد، ولأسباب إنسانية، قد قضى مدة عقوبته، وعوقب بما فيه الكفاية بعد سنوات سجن بعضها في الحبس الانفرادي، في حين شهدت حالته الصحية تدهورا»، مضيفًا أن بولارد بات منذ البداية رمزا، ذلك أنه «للمرة الأولى التي تتهم فيها الولايات المتحدة أميركيا بالتجسس لصالح إسرائيل، كان على علاقة بأوساط الدفاع والاستخبارات، بالإضافة إلى أنه يهودي أميركي».
وتابع أربل موضحًا أن «هذا الشخص كان يتجسس لصالح إسرائيل، البلد الحليف والمقرب جدا من الولايات المتحدة، إبان ذروة التعاون الاستراتيجي بين البلدين. ولذلك فقد تجمعت كل المكونات لتشكل قضية ضخمة».
وخلف القضبان، أصبح بولارد رمزا لليمين الإسرائيلي. كما تبنى جزء كبير من الإسرائيليين قضيته. وقد ساعدت الوثائق التي نقلها إلى إسرائيل، على سبيل المثال، في تفجير مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس عام 1985، وكذلك في قتل الرجل الثاني في المنظمة أبو جهاد في تونس عام 1988.
لكن بالنسبة للولايات المتحدة فإن أعمال التجسس التي قام بها أسفرت عن أضرار كبيرة لمصالحها خلال الحرب الباردة. ووفقًا لبعض المصادر، فإن بولارد قد يكون سلم دولا أخرى غير إسرائيل معلومات حاسمة، ربما انتهى بها المطاف بأيدي الاتحاد السوفياتي.
وخلال أعوام كان السجين الأميركي بيدقا في بعض المساومات المقترحة المتعلقة بإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، أو مفاوضات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. لكن هذه الجهود اصطدمت دائما برفض واشنطن، لدرجة أن رئيس وكالة المخابرات المركزية (سي إي إيه) السابق، جورج تينيت هدد بتقديم استقالته في أحد الأيام.
وبهذا الخصوص يقول مايكل برينر، مدير مركز إسرائيل للدراسات في الجامعة الأميركية في واشنطن: «لقد أراد الرؤساء الأميركيون أن يتخذوا ذلك مثالا للقول بأنه لا يمكنهم التسامح تجاه تجسس تقوم به دولة صديقة».
وحسب بعض المحللين فهناك اختلاف حيال المدى الحقيقي للأضرار التي تسبب بها بولارد للولايات المتحدة، وحتى بحسب رأي الناس سواء في واشنطن أو تل أبيب. وفي هذا الصدد قال إفرايم أنبار من (مركز الدراسات الاستراتيجية بيغن السادات) لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «من الصعب تقييم الأضرار»، التي قام بها الجاسوس الأميركي بولارد.
ويبقى هناك غموض سائد حول نيات بولارد عندما سيفرج عنه، خاصة وأن وكيليه إليوت لاور وجاك سميلمان يرفضان الرد على استفسارات الصحافة. ووفقًا لشروط الإفراج عنه، ينبغي أن يبقى بولارد على الأراضي الأميركية مدة خمس سنوات، ما لم يسمح الرئيس باراك أوباما له بمغادرة البلاد. وقد يكون بولارد وفر ضمانات بالحصول على وظيفة وسكن في منطقة نيويورك. لكن وفقًا لأقاربه، يود الجاسوس السابق الإقامة في إسرائيل مع استير زيتز، اليهودية الكندية التي تزوجها في السجن.
والجمعة الماضي، طلب اثنان من أعضاء الكونغرس من وزيرة العدل لوريتا لينش، إعادة النظر في قرار حظر مغادرة بولارد الأراضي الأميركية. فيما أوضح النائبان اليهوديان عن ولاية نيويورك جيرولد نادلر وإليوت أنغل أن بولارد على استعداد للتخلي عن جنسيته الأميركية للسفر إلى إسرائيل.



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.