دمت.. مدينة الحمامات الطبيعية والصراعات السياسية والعسكرية في «المنطقة الوسطى»

تمثل أهمية استراتيجية وبوابة إلى الضالع والجنوب

مشهد من حمام «مجمع سبأ» الذي صنفه اليونيسكو ضمن قائمة معالم التراث العالمي عام 1993 (غيتي)
مشهد من حمام «مجمع سبأ» الذي صنفه اليونيسكو ضمن قائمة معالم التراث العالمي عام 1993 (غيتي)
TT

دمت.. مدينة الحمامات الطبيعية والصراعات السياسية والعسكرية في «المنطقة الوسطى»

مشهد من حمام «مجمع سبأ» الذي صنفه اليونيسكو ضمن قائمة معالم التراث العالمي عام 1993 (غيتي)
مشهد من حمام «مجمع سبأ» الذي صنفه اليونيسكو ضمن قائمة معالم التراث العالمي عام 1993 (غيتي)

ما زالت مدينة دمت، ثاني مدن محافظة الضالع الجنوبية، تشهد قتالا متواصلا منذ بضعة أيام، بين المقاومة الشعبية والجيش الوطني، من جهة، والميليشيات الحوثية والقوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، من جهة أخرى.
وتدور المواجهات، بشكل أساسي، في الجهة الجنوبية للمدينة، الشمالية لمدينة الضالع، عاصمة المحافظة، وذلك في سياق سعي الحوثيين للتقدم نحو الضالع أو الحدود السابقة بين شطري البلاد، الشمالي والجنوبي، دون أن يتمكنوا من ذلك، في حين تسيطر المقاومة الشعبية والجيش الوطني على كل الجبال والتباب المحيطة بدمت من عدد من الاتجاهات وتمنع تقدم الميليشيات.
وتمثل السيطرة على دمت، مركز المديرية، أمرا مهما، ولكن دمت ليست مدينة فحسب، فهي عبارة عن مديرية كبيرة، وهي ليست تحت سيطرة الميليشيات بالكامل، في الوقت الراهن. ودمت هي بمثابة الحزام الأمني للمناطق الجنوبية والبوابة نحو الضالع، والأخيرة هي البوابة الشمالية الرئيسية نحو عدن، ولم يتمكن الحوثيون وقوات صالح من السيطرة عليها (الضالع) وانسحبوا منها في مايو (أيار) الماضي بعد هزيمة قاسية على يد المقاومة الجنوبية.
المصادر العسكرية في المنطقة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن هناك استعدادات عسكرية لدحر أي محاولة حوثية للتقدم نحو الضالع، فهناك معسكرات في قعطبة ومريس وحول الضالع لا يمكن تجاوزها بسهولة وهي تضم آلاف المقاتلين بمعدات حديثة، دعمتهم بها قوات التحالف.
وبالنظر إلى أهمية دمت التاريخية، فقد أعيد تقسيم بعض المناطق في اليمن، في منتصف تسعينات القرن الماضي، وأنشئت محافظة الضالع الجنوبية والتي ضمت عددا من المديريات الشمالية، وبين هذه المديريات دمت، التي كانت تتبع إداريا محافظة إب، لكن موقعها القريب من الضالع، جعلها جزاء من ذلك التقسيم ومن المحافظة الجديدة، رغم أن المديرية – المدينة، كان لها وضع شبه استثنائي في محافظة إب، على الأقل، من جانب سياسي وحزب، بسبب عوامل سياسية وتاريخية، فمثلا، كان الحزب الاشتراكي اليمني يتعامل مع دمت كمنظمة حزبية مستقلة (محافظة)، تحت اسم «إب الشرقية».
ويرتبط اسم دمت كثيرا في أذهان النخب السياسية، بحقبة الصراعات السياسية بين الشمال والجنوب، فقد كانت واحدا من المراكز الهامة لما كانت تسمى «الجبهة الوطنية الديمقراطية»، التي كانت تخوض قتالا ضد السلطات الرسمية في صنعاء منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، بهدف إسقاط نظام صنعاء.
ولم يكن خافيا التوجه اليساري لتلك الجبهة، التي كانت تتلقى دعما كبيرا من الحزب الاشتراكي اليمني، الحاكم آنذاك للشطر الجنوبي، والتي (الجبهة) أصبحت جزءا من التكوينات والفصائل داخل «الاشتراكي»، رغم أن المخلوع علي عبد الله صالح حاول استنساخها، بعد الوحدة اليمنية 22 مايو عام 1990، وأوجد كيانا بنفس اسم الجبهة مواليا ومؤيدا له، لكنه مفرغ من القيادات والكفاءات الفعلية التي كانت مناهضة لصالح وحكمه.
تقع دمت شمال مدينة الضالع وشرق مدينة إب وغرب البيضاء، وهو موقع استراتيجي بالمنظور العسكري لمراحل الصراعات المسلحة، في العقود الماضية، وفي الصراع العسكري الدائر، حاليا، وترتبط بالمحافظات والمناطق المجاورة عبر شبكة طرقات رئيسية وفرعية، رسمية وغير رسمية.
لذلك اكتسبت أهميتها في النزاع المسلح في حقبة السبعينات وكانت مركزا لولادة عدد من الفصائل والتيارات اليسارية في المنطقة الوسطى، منها «منظمة المقاومين الثوريين»، والتي كانت تمثل قلب اليمن، رغم أن تلك الجبهة، التي ناهضت حكم صالح لسنوات، شملت المنطقة الوسطى، إب والبيضاء، ووصلت إلى مأرب والجوف وعمران ومحافظة صنعاء، وكانت قريبة جدا من صنعاء لإسقاطها، لولا اتفاق السلام الذي وقع مطلع ثمانينات القرن الماضي بين رأسي النظامين الحاكمين في الشمال والجنوب، وذلك من باب الحرص على قيام الوحدة اليمنية، بحسب بعض تبريرات السياسيين، حينها.
وبحسب مراقبين لـ«الشرق الأوسط»، فقد مثل ذلك الاتفاق بداية النهاية بالنسبة لسيطرة ووجود الحزب الاشتراكي والجنوب في المناطق الوسطى وغيرها من المناطق في الشطر الشمالي، سياسيا وعسكريا، فقد جاء الاتفاق في وقت بدأت تنشط الحركات الإسلامية، والتي استعان بها المخلوع صالح ضد اليساريين.
وعقب الاتفاق، تغلغلت التيارات الإسلامية في تلك المناطق وخلفت الحزب الاشتراكي اليمني، واقتسمت التيارات الإسلامية المنطقة مع المخلوع صالح، الذي عمل على تدجين الكثير من القيادات العسكرية التي كانت مناهضة له وشراء ولاءاتها ومن ثم تحويلها إلى «مجرد ديكور» في مؤسسته العسكرية، حسب المراقبين، الذين يؤكدون أن مسيرة المخلوع في الحكم، أوجدت له قيادات فقط تسيطر على المناطق ولكنها لم توجد له قاعدة شعبية، كما هو الحال بالنسبة للمتمردين الحوثيين، الذين يزعمون، اليوم، بأن لديهم مؤيدين كثر في تلك المناطق وتحديدا مدينة دمت.
ووفقا لأحد السياسيين في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، فإنه «إذا كان الحوثيون يقصدون بالمؤيدين من هم مؤمنون بمذهبهم، فهم بعض المنتمين للأسر الهاشمية (السادة)، وهم قلة قليلة ولا يمثلون أي رقم يذكر، أما إذا كانوا يقصدون المتحوثين، وهم المناصرون لعلي عبد الله صالح، فهم الفاسدون فقط ولا يمثلون الشعب في مناطقنا»، حسب تعبيره.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».