يستعد مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لتطبيق برنامج تفاعلي طوره من أجل المعلمين والطلبة بهدف تدريبهم على منع الشباب من الانجذاب إلى التطرف العنيف، لكن قادة المؤسسات الإسلامية والعربية والدينية الأخرى والحقوقيين الذين جرت دعوتهم لمراجعة البرنامج أبدوا اعتراضات شديدة بشأنه، مشيرين إلى أنه يولي تركيزًا شبه كامل للتطرف، الذي يقولون إنه لم يكن عاملاً في تفشي حوادث إطلاق النار في المدارس والهجمات في الولايات المتحدة الأميركية.
ويقود البرنامج، بحسب الذين شاهدوه في مقر «إف بي آي»، والذي يحمل اسم «لا تكن دمية»، المشاهد عبر سلسلة من الألعاب والنصائح التي تهدف إلى تعريفه بسبل رصد الأشخاص الذين قد يقعون فريسة للمتطرفين. ومع كل إجابة صحيحة، يقطع مقص واحدًا من خيوط الدمية حتى تتحرر منها جميعًا في النهاية.
وفي إطار الحملة ضد الإرهابيين من أمثال «داعش»، تصعد أجهزة إنفاذ القانون جهودها لرصد الأشخاص القابلين للتجنيد. ولجأت تلك الوكالات إلى التعاون وطلب المشورة من قادة المؤسسات الدينية والأهلية، لكن الجدل الذي ثار حول أداة مكتب التحقيقات الفيدرالي الجديدة على الإنترنت هو مؤشر آخر على غياب التوافق حول من ينبغي أن يشترك في رصد المشتبه بهم والإبلاغ عنهم، وأين يقع الحد الفاصل بين الوقاية والتمييز العرقي أو الديني.
من جهتها، قالت الناطقة باسم المكتب مساء يوم الأحد الماضي إن «إف بي آي» يطور موقعًا على الإنترنت مصممًا لتوفير الوعي بمخاطر مجندي التطرف العنيف على الإنترنت... مع إسهامات من طلبة ومعلمين وقادة أهليين».
وكان «إف بي آي» قد أبلغ المؤسسات الأهلية بأن البرنامج سيكون متاحًا على شبكة الإنترنت يوم الاثنين. وتحدث قادة هذه المؤسسات إلى أحد المراسلين بعدما علموا أن المكتب سيمضي قدمًا على الأرجح في خطته رغم مخاوفهم من أن البرنامج يشوه سمعة الطلبة العرب والمسلمين الذين هم بالفعل أكثر عرضة للتنمر.
وقال أرجون إس سيثي أستاذ القانون المساعد بمركز القانون بجامعة جورجتاون إن «المدرسين في الصفوف لا ينبغي أن يكونوا امتدادًا لإنفاذ القانون». وطلب «إف بي آي» من السيد سيثي المتخصص في مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون أن يقدم رأيه في البرنامج.
ويقول سيثي إن «البرنامج قائم على نظريات معيبة حول نشر الفكر المتطرف، وبالأخص إن الأفراد يتحولون إليه بنفس الطريقة وإن العملية برمتها يمكن رصدها... لكنها ليست كذلك، ويطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي بالأساس من المدرسين والطلبة تمييز هذه الأمور».
وأضاف أن برنامج «إف بي آي» يضع «الأولويات في غير محلها». وقال: «التهديد الأكبر الذي يواجه الطلبة الأميركيين اليوم هو عنف الأسلحة النارية... وليس التطرف».
ويقول عدد من القادة الدينيين إن المدرسين لا يمتلكون دائمًا التدريب أو الحنكة اللازمة لتمييز المتطرفين، مستشهدين بحادثة الطالب المسلم في تكساس الذي اعتقل وقيد بالأصفاد بعدما اصطحب ساعة من صنعه إلى المدرسة.
وعقد «إف بي آي» عدة اجتماعات الصيف الماضي لتقديم برنامج الإنترنت، إلى جانب طرح استراتيجية أوسع لإشراك قادة المجتمع الأهلي في الوقاية من نشر الفكر المتطرف. وتلقت الجماعات العربية والإسلامية رسالة عبر البريد الإلكتروني تدعوها لحضور اجتماع لإبداء الرأي في البرنامج يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويتذكر عابد أيوب، مدير الشؤون السياسية والقانونية في اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز، قائلاً: «كانوا يتلقون ردود فعل سلبية من الجميع. كان اجتماعًا عصيبًا للغاية».
وتقول هدى هوى، مديرة الشؤون السياسية والتوعوية في مجلس الشؤون الإسلامية العامة: «كانوا يريدون من معلمي صفوف الدراسات الاجتماعية والتربية المدنية والحكومة عرض ذلك على طلبتهم... لكن أي شخص يمكنه الاطلاع على موقع الإنترنت».
لقد أبدت هوى وشخصيات أخرى ممن أجريت معهم المقابلات انزعاجهم على وجه الخصوص من سؤال تقول إنه يطلب من المستخدم تحديد أي رسالة من بين 4 أو 5 رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي ينبغي أن تثير انزعاجه. ومن بين الخيارات التي يطرحها البرنامج على المستخدم شخص يعلن في رسالة نيته حضور مناسبة سياسية، أو شخص يحمل اسمًا عربيًا يتحدث عن الذهاب في «مهمة» خارج البلاد. وكانت الإجابة الصحيحة هي الرسالة التي يحمل صاحبها اسمًا عربيًا. وتقول السيدة هوى: «أي نوع من المهام؟ ربما كانت مهمة إنسانية، وقد تكون دينية».
أما السيد أيوب فقال: «لو عرض ذلك على طلبة المدارس المتوسطة والثانوية، فسيؤدي ذلك إلى التنمر بهؤلاء التلاميذ».
كان تقرير أصدرته لجنة مراجعة أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في شهر مايو (أيار) الماضي قد خلص إلى أن «إف بي آي»، كوكالة لإنفاذ القانون والاستخبارات، ليست «أداة مناسبة» لإنتاج برامج الوقاية لمكافحة التطرف العنيف.
* خدمة «نيويورك تايمز»