رغم انتظاره لسنوات عدة.. الصينيون يتلقون بفتور كبير قرار السماح بإنجاب طفلين

قالوا إنه جاء متأخرًا ولن يكون عمليًا بسبب غلاء المعيشة

معظم الأزواج الصينيين يعتبرون قرار سماح السلطات بإنجاب طفل ثان متأخرا بسبب غلاء المعيشة (رويترز)
معظم الأزواج الصينيين يعتبرون قرار سماح السلطات بإنجاب طفل ثان متأخرا بسبب غلاء المعيشة (رويترز)
TT

رغم انتظاره لسنوات عدة.. الصينيون يتلقون بفتور كبير قرار السماح بإنجاب طفلين

معظم الأزواج الصينيين يعتبرون قرار سماح السلطات بإنجاب طفل ثان متأخرا بسبب غلاء المعيشة (رويترز)
معظم الأزواج الصينيين يعتبرون قرار سماح السلطات بإنجاب طفل ثان متأخرا بسبب غلاء المعيشة (رويترز)

تلقى الصينيون أمس بفتور خبر الإعلان الرسمي عن السياسة الجديدة التي تسمح بإنجاب «طفلين» لكل الأزواج، وسبب هذا الفتور الواضح هو غلاء المعيشة وضرورات الحياة المهنية في مجتمع أصبحت تطغى عليه الماديات، ما يبعد حسب بعض المراقبين وعلماء الاجتماع احتمال حدوث «طفرة كبيرة» في الولادات.
وكان الحزب الشيوعي الصيني قد أعلن في بيان مساء أول من أمس عن مبادرته التاريخية بإنهاء سياسة الطفل الواحد، والسماح لكل زوجين بإنجاب طفلين. وقد وصفت وسائل الإعلام الرسمية هذه الخطوة بأنها انتصار للاقتصاد والسكان الذين كانوا يقبلون بالقانون العائلي الملزم رغما عنهم، مع ما سببه ذلك من فواجع ومآس فردية.
وكتبت صحيفة «غلوبال تايمز» في افتتاحيتها أن «الخطة الخمسية الجديدة يجب أن تعتبر انتصارا للإرادة الشعبية لأن الكثير من السياسات القائمة تلبي نداءات كانت تطلق منذ فترة طويلة» من قبل المجتمع المدني. فيما لم تدل صحيفة «الشعب»، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، بأي تعليق محدد على التخلي عن سياسة الابن الواحد.
وتقررت السياسة السكانية الجديدة خلال مؤتمر عام للحزب الشيوعي الصيني، الذي حدد الخطة الخمسية الثالثة عشرة للأعوام 2016 - 2020، التي لم تتسرب تفاصيل كثيرة بشأنها.
ورافق تطبيق سياسة اعتماد الطفل الواحد انتهاكات كثيرة، وأعمال عنف حيال النساء، تمثلت بالخصوص في إجبارهن على الإجهاض والعقم. ورسميا، فقد جنب قرار المنع دولة الصين ولادة 400 مليون شخص إضافي، وسمح بالسيطرة على زيادة عدد السكان الذي تضاعف بين وصول ماو تسي تونغ إلى السلطة في 1949، ووفاته في 1976، عندما كان عدد السكان يبلغ نحو 950 مليون نسمة فقط، مقابل 1.37 مليار حاليا.
لكن كثيرين يرون أن إلغاء القرار جاء متأخرا، وأنه لن يسمح بعكس اتجاه السكان السريع نحو الشيخوخة، وهو ما يثير قلقا من إمكانية نقص اليد العاملة لاقتصاد الصين الذي يشهد تباطؤا ملموسا. وفي هذا الصدد قال لو جيهوا، الأستاذ في جامعة بكين، لصحيفة «بكين تايمز» إنه «بالنسبة للنساء اللاتي ولدن في سبعينات القرن الماضي، سيكون ذلك فرصتهن الأخيرة على الأرجح» لإنجاب طفل ثان. فيما قالت جون كوفمان، الخبيرة في تخطيط الأسرة الصينية مديرة مركز «كولومبيا غلوبال» في بكين، إن تخفيف هذه السياسة في نهاية 2013 بالسماح بإنجاب طفل ثان إذا كان أحد الزوجين ابنا وحيدا «لم يلق حماسا كبيرا».
وأضافت كوفمان موضحة أنهم «كانوا يتوقعون نموا كبيرا في الولادات بعد أن ذهب الناس ليسجلوا من أجل إنجاب ابن ثان. لكن لم يولد عدد أكبر من الأطفال، ولا حتى أقل مما كان متوقعا».
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي الصينية، قوبل نبأ السماح للأزواج بإنجاب طفلين ببعض اللامبالاة، واحتل المرتبة الثامنة على «سينا ويبو»، الذي يعد أكثر المواقع شعبية في البلاد، حيث جاء بعد مواضيع خفيفة مثل الممثلة أنجيلا بيبي. وفي هذا السياق، أشار تحقيق شمل أكثر من 150 ألف شخص، ونشرت نتائجه صباح أمس على موقع «سينا» الإلكتروني، إلى أن أقل من ثلاثين في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يرغبون في إنجاب طفل ثان.
وكان إنجاب عدد كبير من الأطفال هدفا كبيرا في الماضي. لكن مع انتشار حياة المدن والاغتناء في الصين أصبح الأزواج يميلون أكثر فأكثر إلى إرجاء ولادة الابن الأول، حتى يكرسوا أنفسهم لحياتهم المهنية. وقد أكد كثيرون أمس أنهم يرغبون في طفل ثان، لكنهم لا يملكون الوسائل المادية لتحقيق ذلك.
وحتى الآن كان إنجاب طفل ثان أو أكثر خيارا للأزواج القادرين على دفع غرامات كبيرة تفرض على المخالفين للقانون. وكمثال على ذلك فقد اضطر المخرج الشهير جانغ ييمو العام الماضي إلى دفع نحو مليون يورو عن أبنائه الثلاثة الذين «لم يخطط لإنجابهم».
ومثل كثيرين غيره، عبر أحد مستخدمي الإنترنت عن استيائه من الكلفة المتوقعة لإنجاب طفل ثان، وقال: إن «البلاد لا تقدم أي دعم مالي»، فيما تساءل شاب آخر «من يمكن أن يسمح لنفسه بإنجاب طفل وأسعار الشقق باهظة جدا؟»، فيما قال شاب ثالث إنه لتسوية المشاكل الاقتصادية للصين «ربما يجب العمل بجد»، بدلا من إنجاب الأولاد.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».