بعد شهرين من توصل إيران إلى اتفاق نووي دولي من شأنه أن يسهم في فتح أسواقها أمام دول العالم، يحذر المسؤولون من الركود الاقتصادي، بعد أن عقد المستهلكون عزمهم على عدم شراء السلع المحلية في الوقت الذي ينتظرون فيه وصول العلامات التجارية العالمية بعد جذب الشركات العالمية إلى الأسواق الإيرانية.
ويضمن الاتفاق النووي مع القوى العالمية احتمال أن تشهد البنوك وغيرها من القطاعات الاقتصادية في البلاد رفعًا للعقوبات في عام 2016، مما يجعل من الأسهل بالنسبة للأجانب الدخول في شراكة مع شركات إيرانية أو التصدير إلى إيران.
وفي هذا الإطار، ارتفع مؤشر أسعار المنتجين في إيران (PPI) بنحو 1 في المائة فقط في العام على أساس سنوي حتى 22 من شهر أغسطس (آب) الماضي، مقارنةً مع 11.2 في المائة في العام السابق، وهو أقل بكثير من معدلات التضخم التي تتراوح بين 14 و17 في المائة، وفقًا لبيانات البنك المركزي في إيران.
وأصبحت صناعة السيارات، أكبر قطاع غير نفطي في إيران والتي تحتضن عمالة تقدر بأكثر من نصف مليون شخص، أحدث رمز من رموز الركود الاقتصادي في البلاد وسط تراجع القدرة الشرائية للجمهور بعد سنوات من العقوبات الدولية، والشعبوية السياسية في ظل الحكومة السابقة. وأظهرت بيانات المركزي الإيراني (CBI) تراجع نمو مؤشر أسعار المنتجين لصناعة السيارات إلى 3.3 في المائة من 20.7 في المائة خلال نفس الفترة. ويحذر المسؤولون من وجود تأثيرات جانبية لأزمة شركات صناعة السيارات في مختلف قطاعات الاقتصاد، على غرار ضرب أجزاء من صناعة الصلب الحرجة.
ويقول محمد رضا نعمت زاده، وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، إن أي أرباح من الصفقة النووية ستستغرق عدة أشهر لتتحقق، ولا يزال الاقتصاد الإيراني غارقًا في الركود.
ويتوقع البنك الدولي نمو الاقتصاد الإيراني 1.7 في المائة فقط هذا العام، على أن يرتفع بنسبة 3 في المائة العام المقبل، بعد رفع العقوبات نتيجة الاتفاق النووي، ليصل النمو إلى 5.8 في المائة.
بينما يقول صندوق النقد الدولي إن إيران بحاجة إلى إصلاحات شاملة حاسمة لضمان رفع العقوبات الاقتصادية من أجل ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي. وقال مارتن سيريسولا، مساعد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، إن إيران تحتاج إصلاحات اقتصادية للاستفادة من الصفقة النووية المُبرمة مع القوى العالمية. وأضاف مارتن، في بيان عقب زيارته لطهران لمدة 11 يومًا من أجل تقييم اقتصاد البلاد: «إن الاتفاق على برنامج إيران النووي والرفع المرتقب للعقوبات الاقتصادية سيجلب فرصة فريدة لبناء وتوسيع الإنجازات التي حققتها إيران خلال العامين الماضيين».
واتخذت الحكومة الإيرانية خطوات مهمة خلال العام الماضي، من خلال إعداد مشاريع لإصلاح قوانين البنك المركزي والبنوك. وتمكنت حكومة الوسط للرئيس حسن روحاني من خفض التضخم من 40 في المائة إلى 12.6 في المائة خلال العامين الماضيين، وإنهاء ثلاث سنوات متتالية من الانكماش الاقتصادي، مع نمو بنسبة 3 في المائة على أساس سنوي في مارس (آذار) الماضي.
ودعا سيريسولا إلى القيام بإصلاحات شاملة حاسمة لضمان رفع العقوبات الاقتصادية من أجل الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي الكلي في البلاد، بما يؤدي إلى ارتفاع معدلات النمو على المدى المتوسط. وتوصلت القوى العالمية الست (الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) وإيران إلى اتفاق تاريخي، في يوليو (تموز) الماضي، للحد من أنشطة إيران النووية لأكثر من عشر سنوات في مقابل رفع العقوبات المالية الدولية ورفع العقوبات عن صادرات النفط الإيراني.
ويقول صندوق النقد إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية أثر بشكل كبير على ميزانيات الشركات والبنوك، وأدى إلى تأجيل كثير من قرارات الاستثمار، مما أدى بدوره إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي الإيراني بشكل كبير منذ الربع الرابع من العام المالي 2014 / 2015.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد الإيراني قد تراجع خلال النصف الأول من السنة المالية 2015 / 2016، التي تبدأ في 21 مارس.
وأدت العقوبات على صادرات النفط الإيراني وأجزاء أخرى من الاقتصاد إلى الانكماش الاقتصادي بنحو 5.8 في المائة في السنة المالية 2012 - 2013. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بمعدل سنوي قدره 1.7 في المائة خلال العام 2013 / 2014.
ومن المتوقع أن ينخفض النمو من 3 في المائة في 2014 / 2015 إلى ما بين «0.5» إلى «- 0.5» في المائة في 2015 / 2016، اعتمادًا على التوقيت الدقيق لرفع العقوبات، والذي من شأنه أن يؤثر على نمو إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وتتوقع الهيئة الاستشارية بصندوق النقد الدولي احتمالات أكثر إشراقًا للاقتصاد الإيراني خلال العام 2016 / 2017 مع ارتفاع إنتاج النفط بنحو مليون برميل يوميًا، فضلاً عن انخفاض تكاليف المعاملات التجارية والمالية. ونتيجة لذلك، يمكن ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي للبلاد من 4 في المائة إلى 5.5 في المائة في السنة المالية 2016 / 2017.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»