علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

رمال متحركة

المتأمل للمشهد الحالي في الشرق الأوسط لا بد أن يضرب كفًا بكف من الحيرة حول عملية خلط الأوراق الحادثة، ورهانات الدول التي وصلت إلى حدود قصوى قد تشعل حربًا عالمية ثالثة أو على الأقل حربًا بالوكالة إذا أخطأ أحد اللاعبين في حساباته.
خطأ الحسابات يمكن الانزلاق إليه بسهولة في الرمال المتحركة للأزمة السورية التي تحولت في أربع سنوات من مجرد هبّة شعبية تطالب بإصلاحات ديمقراطية ومعيشية اجتماعية إلى بؤرة صراع دولي بين روسيا والولايات المتحدة أساسا.
تبدو الأمور شديدة الضبابية بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا تحت شعار محاربة تنظيم داعش، بينما تقول التقارير الغربية إن الروس يستهدفون أساسا المعارضين للأسد.
سيكون من الجنون رؤية صدام مباشر في الأجواء السورية بين مقاتلات أميركية وروسية لأن ذلك لم يحدث من قبل حتى في الحرب الفيتنامية، أو حرب الكوريتين، لكن المؤكد أن هناك من يفرك يده بعد حادثة اختراق مقاتلة روسية الأجواء التركية، والتي قالت وزارة الدفاع الأميركية إنها كانت مهددة بالإسقاط، فهل تكون تركيا هي المقاتل بالوكالة لاستنزاف روسيا بوتين كما حدث في أفغانستان في زمن الاتحاد السوفياتي السابق؟
لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدًا، فتركيا لم تظهر أي علامات على أنها مستعدة للخروج خارج حدودها في الأزمة الحالية، وعلى العكس فإنها تظهر علامات تململ من عبء الأزمة وتدفق اللاجئين، والإرهاب العابر للحدود، وهي تستعد لتوقيع اتفاق خط أنابيب غاز استراتيجي مع روسيا.
هناك من يقول إن سبب التعقد الشديد للأزمة هو التردد الأميركي في تسليح المعارضة السورية وتدريبها، والتصريحات المتضاربة في هذا الشأن، بينما هناك انتقادات لعدم التدخل العربي بشكل مبكر في الأزمة، وهو كلام غير واقعي لأن هذا معناه أن جيوشًا عربية يصارع بعضها بعضًا، وهذا غير ممكن دون توفر إرادة سياسية.
الغريب أنه وسط هذه الأزمة هناك شكوك كثيرة في الموقف الأميركي، وهو ما فتح الباب أمام بوتين لأنه من المؤكد أن يكون هناك تنسيق عسكري حتى لا يحدث تصادم في الجو، فاكتفى الأميركيون بالعمل في الأجواء العراقية بينما تقوم الحكومة في بغداد بتعاون استخباراتي مع الروس.
ماذا يريد الروس استراتيجيًا من سوريا؟ وهل حقيقة أنهم جاءوا لحماية الأسد، وهو في كل الأحوال لا يستطيع الاستمرار في الحكم في حال أي تسوية سياسية، وموسكو تعرف ذلك جيدًا؟ هل هو الوجود الاستراتيجي في البحر المتوسط؟ ربما، لكن في حال أي تغير في السلطة في دمشق سيتعين على الحكم الجديد الموافقة على ذلك.
وهذا هو السؤال الكبير الذي لا توجد إجابة واضحة عليه حتى الآن، فمن الذي سيتسلم السلطة إذا كانت هناك مرحلة انتقالية؟ فلا أحد سيقبل أن يضع يده في يد متطرفي «داعش»، أو القبول بتسليم السلطة لمتشددين في بلد عربي أساسي، كما أن فكرة تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ لقوى إقليمية مثلما هو حادث واقعيًا على الأرض حاليًا ستكون مصدر توتر دائم.
وهكذا فإن الأزمة السورية أصبحت مثل الرمال المتحركة، التي تغير اتجاهها كل فترة زمنية وتبتلع من يسير عليها.
ما تحتاج إليه سوريا فعليًا هو مؤتمر دولي يجلس فيه اللاعبون الرئيسيون من قوى دولية وإقليمية لتنظيم قواعد الاشتباك، والاتفاق على المستقبل السياسي.. هكذا حُلّت معظم الأزمات الدولية أو بؤر التوتر التي تهدد بصدام بين القوى الكبرى.