مبادرات التعليم العربية تغزو أوروبا

فتاة مغربية تطلق مبادرة تستهدف تأسيس مجتمع للتعليم العربي

خديجة حموشي صاحبة مبادرة «مجتمع التعليم العربي»
خديجة حموشي صاحبة مبادرة «مجتمع التعليم العربي»
TT

مبادرات التعليم العربية تغزو أوروبا

خديجة حموشي صاحبة مبادرة «مجتمع التعليم العربي»
خديجة حموشي صاحبة مبادرة «مجتمع التعليم العربي»

بعد اتجاه كثير من الطلاب العرب إلى استكمال تعليمهم بالدول الأوروبية، ظنا منهم أن مستوى التعليم في هذه الدول أفضل بكثير من الدول العربية، انتشرت المبادرات والمشاريع المختصة بالتعليم العربي وكيفية النهوض به في أوروبا والدول الغربية، والتي تستهدف بشكل أساسي إعادة بناء وتطوير الأنظمة التعليمية في الوطن العربي، وركزت معظم هذه المبادرات على التأكيد على فكرة أن الدول الأوروبية استمدت في الأساس معارفها وعلومها من العرب وحضاراتهم وعلومهم منذ القدم.
ومن ضمن هذه المبادرات، المبادرة التي قامت بها فتاة تدعى خديجة حموشي (25 عاما)، وهي فتاة مغربية بلجيكية تعيش في لندن، حاصلة على درجة الماجستير في التربية في كلية غولدسميث، جامعة لندن، وقد أطلقت خديجة على مبادرتها اسم «مجتمع التعليم العربيthe Arab educationalist society».
وعن المبادرة، قالت خديجة لـ«الشرق الأوسط» خلال وجودها بالقاهرة: «منذ صغري وأنا أعشق مجال التعليم وأقرأ وأبحث عن أسباب تدهوره وكيفية تطويره، وكنت دائما أرى أن النهوض بالتعليم هو العامل الأساسي للنهوض بالبلاد اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا، ولكني وجدت أننا دائما، العرب، نسعى لتقليد الدول الغربية في خطاها في تطوير التعليم، وأحيانا نتخذها مثالا نحتذي به في هذا المجال، بينما كل ما نحتاجه نحن البحث في تاريخنا وحضارتنا وعلومنا التي تأثرت بها جميع الدول الأجنبية منذ قديم الزمان».
وأوضحت خديجة أن مبادرتها تستهدف تأسيس مجتمع للتعليم العربي بأهداف ثابتة يتفق عليها رواد التعليم بجميع الدول العربية، كما تستهدف تغيير الثقافة التعليمية لدى شعوب هذه البلدان، وإعادة ثقتهم في النظام التعليمي، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المعلمين، وبالتالي تحقيق تطوير ثقافي واسع وشامل.
وأشارت خديجة إلى أن المبادرة ستشمل جميع الدول العربية الـ22 بما في ذلك سوريا وليبيا، رغم التوترات التي تمر بها هاتان الدولتان، مؤكدة أن هذه التوترات ستنتهي إذا تم الاهتمام بالجانب التعليمي بهذه البلاد، وأوضحت قائلة إن «سبيلنا الوحيد للتخلص من التوتر والتعصب السياسي والفكري والديني والعرقي في هذه البلدان هو التخلص من الجهل والفقر الفكري عن طريق تطوير التعليم وتنمية العقول والتفكير، كما أن هذه العوامل ستساعد على إعادة بناء هذه الدول».
وقد قامت خديجة بالسفر لأغلب الدول العربية لدراسة وضع التعليم بها، وأجرت مقابلة مع عدد من المعلمين وخبراء التعليم بكل هذه الدول وتحدثت معهم عن مبادرتها، مؤكدة أن فكرة المبادرة لقيت ترحيبا واسعا من الجميع، وأن معظم المعلمين الذين تحدثوا معها سوف يشاركون في تنفيذ هذه المبادرة.
وتتكون مبادرة «مجتمع التعليم العربي» من 7 مراحل سيتم تنفيذها بالتتابع، المرحلة الأولى عبارة عن حملة ستتم على مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، سيتم خلالها عمل عريضة يتم توقيعها من المعلمين والتربويين والخبراء والمواطنين العاديين المطالبين بتطوير التعليم في الدول العربية، وستحمل هذه الحملة اسم «أكبر عريضة في العالم» في مجال التعليم. وأوضحت خديجة أنها تأمل أن تدخل هذه الحملة موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأكبر عريضة في العالم لأشخاص يطالبون بالتغيير من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
أما المرحلة الثانية من المبادرة، فستكون عبارة عن تأسيس موقع إلكتروني على الإنترنت للمعلمين، لتبادل الأفكار والآراء والخبرات والمواد التعليمية مع بعضهم البعض، وتأسيس نهج تعليمي عربي مشترك.
وفي المرحلة الثالثة من المبادرة، سيتم عمل أفلام تسجيلية ووثائقية عن التعليم وسبل تطويره وعرضها على مختلف القنوات العربية، بينما ستهتم المرحلة الرابعة بالأبحاث العلمية والأكاديمية المختصة بالتعليم وسبل تطويره، وستتضمن هذه الأبحاث أبحاثا عن الأفكار والمقترحات التي سيطرحها المعلمون على الموقع الإلكتروني الذي سيتم إنشاؤه.
أما في المرحلة الخامسة للمبادرة، فسيتم تأسيس منصة لتدريب المعلمين على الإنترنت، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المعلمين. وتهدف هذه المنصة إلى تزويد المعلمين بالمعرفة اللازمة التي تمكنهم من تطوير مهنة التدريس، وسيستمر برنامج التدريب لمدة سنة.
وبعد أن ينتهي برنامج التدريب، سيتم إنشاء مركز لتعليم المعلمين، في المرحلة السادسة من المبادرة، وسيهتم هذا المركز بتعليم المعلمين المهارات العملية للتدريس بشكل أوسع وعملي أكثر من برنامج التدريب.
أما المرحلة الأخيرة للمبادرة، والتي تعد الخطوة الكبيرة والأهم والأكثر جهدا، فهي تأسيس أول جامعة عربية للمعلمين، تكون مختصة بتأهيل المعلمين تعليميا وثقافيا وفكريا وتربويا، إذ إن إصلاح التعليم يبدأ ببناء وإصلاح وتأهيل المعلم.
وأوضحت خديجة أنها سوف تحتاج بالطبع إلى مبلغ كبير من المال لتنفيذ هذه المبادرة، مشيرة إلى أنها ستقوم بجمع المال عن طريق ما يسمى بنظام «التمويل الجماعي» أو الـ«crowd funding» وهو النظام الذي يستخدم لتمويل مشروع أو قضية معينة من خلال جمع كميات من المبالغ الصغيرة من عدد كبير من الناس عبر شبكة الإنترنت.
وأكدت خديجة أنها تتوقع أن يتفاعل عدد كبير من الأشخاص مع مبادراتها وأن يشاركوا في تمويلها، قائلة: «نعم.. سيتفاعل الناس مع المبادرة لأنهم في أشد الحاجة إليها.. خاصة في هذه الفترة الصعبة التي تسعى فيها الحكومات والأشخاص إلى إعادة بناء وتطوير بلادهم».



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.