عاصفة في مهرجان تورنتو تهب على «حقول لندن»

المخرج لم يصنع الفيلم وجوني دَب قد لا يحضر حفل افتتاحه

أمبر هيرد كما تبدو في «حقول لندن»
أمبر هيرد كما تبدو في «حقول لندن»
TT

عاصفة في مهرجان تورنتو تهب على «حقول لندن»

أمبر هيرد كما تبدو في «حقول لندن»
أمبر هيرد كما تبدو في «حقول لندن»

عندما قابلت جوني دَب في مهرجان فينسيا، انحصر الحديث عن فيلمه الذي شارك في المسابقة وقاد بطولته وهو «قدّاس أسود». وكما ورد في المقابلة المنشورة، فإن الفيلم العصاباتي ذاته كان مبرمجًا للعرض في مهرجان «تورنتو» الذي انطلق في العاشر من هذا الشهر ويلملم أوراقه وأفلامه بعد يومين.
وهذا ما حدث بالفعل؛ فالفيلم شهد عرضًا ناجحًا في المهرجان الكندي ضمن هذه الدورة الأربعين حيث شوهد جوني دَب مع زوجته الممثلة أمبر هيرد وهما يدخلان الفيلم لعرضه الأول في شمال أميركا وحين أضيئت الصالة الكبيرة مرّة أخرى، كان لا يزال هناك. أمبر هيرد ذاتها صاحبته في فينسيا كونها ظهرت في دور رئيسي في فيلم «الفتاة الدنماركية» (بطولة أليسيا فيكاندر وإيدي ردماين) وهو الفيلم الذي عرض أيضًا في تورنتو، ومرّة ثانية شوهد دَب وزوجته هيرد يدخلان القاعة ويحضران الفيلم.
هذا ليس كل شيء!
هناك فيلم ثالث لهما. فيلم بريطاني - أميركي مشترك بلغت ميزانيّته 8 ملايين دولار (نصف ما يتقاضاه دَب عادة من أجر) وهو من بطولتهما معًا. الفيلم هو «حقول لندن» وهو سبب عاصفة لا نملك بعد نتائجها، فالفيلم يعرض للصحافة صباح اليوم (الجمعة) وفي المساء هناك عرض احتفالي (غالا) من المفترض أن يحضره دَب وهيرد والممثلون الرئيسيون الآخرون فيه جيم ستيرجز وبيلي بوب ثورنتون.
امتناع عن الحضور
«حقول لندن» مأخوذ عن رواية بوليسية للكاتب مارتن أميس. هي واحدة من بين أشهر وأفضل رواياته (وضعها سنة 1989) وكانت سادس أعماله. بطلها كاتب روائي عليل الصحة كان توقف عن الكتابة قبل عشرين سنة بعدما نفذت قريحته (يؤديه ثورنتون) ورجلان آخران (دَب وستيرجز) والثلاثة ارتبطوا بعلاقة عاطفية مع نيكولا (هيرد) التي تدرك أن أحد هؤلاء الثلاثة سيقوم بقتلها، والرواية (كما الفيلم على الأرجح) يبقي هويّته خفية على المتلقي حتى النهاية.
المشكلة ليست في الرواية بل في إنتاجها أو بالأحرى في معضلة من المسؤول عن النسخة الأخيرة من الفيلم التي تحوّلت إلى واحدة من عواصف مهرجان تورنتو الحالي.
فالمخرج ماثيو كولين فوجئ، حسب قوله، بأن النسخة التي ستعرض ليست النسخة التي قام بإخراجها. والذي حدث أن أحد المنتجين الثلاثة الذين أداروا دفّة الفيلم الإنتاجية، وهو كريس هانلي، دخل غرفة المونتاج بعد انتهاء المخرج منها، وقام بإضافة مشاهد كان المخرج كولين صوّرها ثم استبعدها. وهي مشاهد عنف لم ير المخرج حاجة ماسّة إليها بل اكتفى بما أراده منها.
نتيجة ذلك أن ارتفع صوت المخرج احتجاجًا، وحاول اللجوء إلى «نقابة المخرجين في أميركا» (Director‪›‬s Guild of America) لكي يسحب اسمه عن الفيلم، لكن، وحسب مصادر في تورنتو، ووجه بأن قراره بسحب اسمه متأخر ولا تستطيع النقابة فرض ذلك على منتجي الفيلم.
والأرجح أن المخرج تواصل مع ممثلي الفيلم الرئيسيين الأربعة (كلهم حاضرون في تورنتو) ليخبرهم بأن النسخة التي سيشاهدونها في تورنتو ليست النسخة التي حققها. والأرجح أيضًا أنه طلب منهم مساندته في دعواه. ما نتج عن هذا التواصل أن دَب وهيرد وثورنتون وستيرجز كتبوا رسالة احتجاج لمنتجي الفيلم على ما اعتبروه «اعتداء على الفيلم من دون معرفة مخرجه» واثنان من الأربعة المذكورين، هما ثورنتون وستيرجز، أعربا عن رغبتهما في مقاطعة الفيلم وعدم حضور حفل عرضه الرئيسي هذه الليلة، ولو أن المنتج هانلي ذكّر بيلي بوب ثورنتون بنص في العقد يقول إن عليه مؤازرة ودعم الفيلم إعلاميا ما قد ينتج عنه رفع دعوى بالإخلال بالعقد المبرم إذا ما نفّذ تهديده.
سوابق
المنتج كريس هانلي (ظهر في بعض الأفلام ممثلاً أيضًا) ربما استلهم التغييرات من فيلم اشترك في إنتاجه قبل خمس سنوات بعنوان «القاتل في داخلي» من إخراج البريطاني مايكل وينتربوتوم وبطولة كايسي أفلك وكيت هدسون وجسيكا ألبا وند بيتي وتميّز بعنفه الشديد ولم يحظ بكثير من التقدير حين تم عرضه سنة 2010 في مهرجان برلين السينمائي شريكًا في مسابقته. مثل الفيلم الحالي، مأخوذ عن رواية بوليسية (لجيم تومسون) وغارق بالعنف (يدور حول شرطي يحقق في جرائم لنكتشف سريعًا بأنه هو من يقوم بها).
«القاتل في داخلي» ليس فيلم هانلي العنيف الوحيد. سنة 2000 أنتج «أميركان سايكو» من بطولة كرستيان بايل عن رواية ثالثة لبرت إيستون إيليس أخرجته ماري هارون. فيلم جيّد بحد ذاته يأمل الناقد اليوم أنه حكم على نسخة أرادتها المخرج كما جاءت.
حيال ذلك لجأ كولين إلى القضاء لينصفه فرفع دعوى ضد شركة الإنتاج وممثليها فحواها أنها قامت، سريّا ومن دون علمه أو موافقته، بتغيير الفيلم وتحضير نسخة أخرى لم يتم الاتفاق عليها.
ويبدو أن القيادة هنا في ملعب المخرج ليس لأنه ممتنع عن حضور حفلة الفيلم مسببًا لمهرجان «تورنتو» إحراجًا فوق الحرج الذي تشعر به إدارته حيال اكتشافها أنها ستعرض فيلمًا مزوّرًا، فحسب، بل لأنه كشف، حسب ما أوردته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» في تقرير كتبه محررها مايكل سيبلي، أن الفيلم بات يتضمن مشاهد لم ينص عليها السيناريو، كمشهد يصوّر جموع الحجاج في مكّة المكرّمة ومشهد لرجل يرمي بنفسه من أحد برجي كارثة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ومشاهد فلاشباك بالغة العنف.
ويضم مهندس الصوت البريطاني جوفان أجدر صوته إذ يصرح للمحرر الأميركي سيبلي أن الفيلم الجديد يختلف «جذريًا» عن الفيلم الذي حققه المخرج وأنه بات «مثيرًا للارتباك».
ما إذا كان جوني دَب وأمبر والممثلون الآخرون سيحضرون الافتتاح أو سيلتزمون بمساندة المخرج أمر غير معروف. لكن الفيلم بات مثالاً لصراع الإرادة بين الفنان و.. سواه.
هذا الوضع ليس الوحيد الذي تابعه الحاضرون في مهرجان تورنتو في دورته الجديدة، ولا القضية المرفوعة أمام القضاء بفريدة في نوعها هذه الأيام. فقبل أيام تقرر سحب فيلم «نعمة مذهلة» Amazing Grace من عروض مهرجان تورنتو وذلك بعدما اضطر مهرجان توليارايد (يقام مباشرة قبل المهرجان الكندي) بسحبه.
الفيلم الذي حققه سيدني بولاك في منتصف الستينات واجه معارضة شديدة من المغنية أريثا فرانكلين رغم أنه، وإلى حد بعيد، عنها في بعض حفلاتها الغنائية. وقد جددت المحكمة قرار المنع ما دفع المنتج آلان إيليوت لعدم عرض الفيلم لمدة شهر كامل يكون مهرجان تورنتو انتهى خلالها وأزف موعد مهرجانات أخرى.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.