نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

إلى حسن روحاني.. الجوار هو الأهم

احتفى العالم، بفوز السيد حسن روحاني بالرئاسة الإيرانية، مع أن ذلك لم يكن مضمونا قبل الانتخابات.
وفرد العالم للرئيس الإيراني الجديد والمعتدل، بساطا أحمر، يعبر عنه إلى مخاطبة العالم بلغة جديدة ومضمون جديد، ولولا الجدل الذي دار حين منح أوباما جائزة نوبل للسلام لمجرد التشجيع، لمنح روحاني تلك الجائزة قبل أن يفعل شيئا أو.... من أجل أن يفعل شيئا.
حفاوة العالم بروحاني، زادت حرارة وحميمية، بفعل السنوات الصعبة والطويلة الأمد، التي قضاها سلفه أحمدي نجاد على رأس الجمهورية الإسلامية البالغة الأهمية في المنطقة والعالم، فلقد تنفس العالم الصعداء لمغادرته وكذلك لفشل من هو قريب منه في اللغة والسلوك.
وحين فاز روحاني بأغلبية مريحة، بدا أن قرار الشعب الإيراني هو توديع التشدد إلى غير رجعة، وتوديع السلوك المكلف الذي التزمه أحمدي نجاد من أجل تحقيق أحلام إمبراطورية تبدو مستحيلة في هذا الزمن، ذلك أن الأحلام الإمبراطورية، حين تخدم بمشروع نووي بالغ التكلفة، إضافة إلى أنه من النوع المحفوف بالخطر، منذ بدايته وخلال جميع فصوله، فلا بد أن تورث الشعب الإيراني هموما وتحديات لا قِبل له بمواصلة حملها، ودفع أثمانها الباهظة.
وبوسعنا ملاحظة الوضع الغريب للكيان الإيراني، الذي ينفق على الأحلام أضعاف ما ينفق على حاجات الشعب، لنجد بلدا لا يزال ينتمي إلى العالم الثالث، ومجتمعا أنهكته الهموم المتوالدة، فاضطر في يوم ما إلى الثورة فقمع بوحشية، إلا أنه أخيرا صفى حساباته عبر صندوق الاقتراع وهذه هي البداية.
غير أن ما ينبغي أن يُدرك وبصورة مبكرة، أن قصة إيران قبل أن تكون مع أميركا وألمانيا ودول العالم البعيد، هي في الفصل الأهم والأكثر تأثيرا تتجسد في الجوار القريب، الذي عانى الأمرين في زمن التشدد، وازدهار الخيالات الإمبراطورية، ولعله جاء الوقت لوضع حد لهذا «الأمرين» باللغة والممارسة ومراجعة الحسابات.
فكيف بدت صورة إيران في عهد التشدد، بل كيف كانت بالفعل؟
من المؤسف أن هذا البلد الشقيق، أضحى بالنسبة للعرب بلدا يحتل أرضا عربية، ويتدخل بفظاظة في النزاعات العربية الداخلية، ويحشر أنفه في سياسات الآخرين، رغم أنها لا تحمل أي تهديد لإيران.. بل إن التدخل وبالطريقة التي جرى بها خلال سنوات التشدد والأحلام الإمبراطورية هو الذي ألحق الأذى بعلاقاتها المفترض أن تكون بناءة ومساعدة لها مع الجوار.
لقد قدم روحاني مبادرات حسن نية تجاه أميركا واليهود ما أثلج صدر ألمانيا، وأزعج إسرائيل كثيرا، وهذا أكد بصورة قاطعة على أن إيران المعتدلة هي ما يخيف إسرائيل، أما إيران المتشددة فكانت الدجاجة التي تبيض ذهبا للدعاية الإسرائيلية، بل وتفتح أمامها كل الأبواب المغلقة لتكريس الدولة الإسلامية كخطر ليس على إسرائيل وحدها وإنما على المنطقة والعالم.
إن السيد روحاني، كان الأهم من بين المشاركين في اجتماعات الدورة الحالية للأمم المتحدة، ولعل هذا هو أخطر ما يواجهه الرجل من تحديات، ذلك أن الذين احتفلوا بالوعد سوف يراقبون المشهد الإيراني بتركيز أشد، وبمقاييس أشد قسوة وحدية، فإن توازى الكلام الجيد مع القرارات المرتقبة أو المتوقعة فساعتئذ يعبر روحاني بإيران إلى وضع جديد هو أفضل بكثير من الوضع السابق، أما إذا ظلت اللغة هي المتاح الوحيد لتحسين الصورة، فالعالم سينقلب على الرجل، وتكون المضاعفات أشد وأقسى.