أصدرت محكمة استئناف فيدرالية أميركية قبل أيام حكمًا يقضي بأن لأصحاب الأعمال هامش حرية كبيرا، من الناحية القانونية، في الاستعانة بمتدربين غير مدفوعي الأجر (متطوعين) عندما يخدم العمل هدفًا تعليميًا، لتلغي بذلك حكما صدر عن محكمة في درجة تقاض أدنى يقضي بأن شركة «فوكس سيرتش لايت بيكتشرز» صنفت على نحو غير ملائم عاملين سابقين لديها كمتدربين غير مدفوعي الأجر، بدلا من موظفين.
ومن شأن الحكم الأخير إعادة القضية مجددًا إلى المحكمة الأدنى، وقد تترتب عليه تداعيات واسعة النطاق في ما يخص أسلوب اعتماد أصحاب الأعمال على العاملين من دون أجر. كما يخلق الحكم حاجزًا كبيرًا أمام رفع مزيد من الدعاوى القضائية من قبل متدربين من دون أجر ضد شركات سبق أن عملوا بها.
يذكر أن اثنين من المدعين، إريك غلات وألكسندر فوتمان، عملا كمتدربين غير مدفوعي الأجر على صلة بفيلم «البجعة السوداء» بين عامي 2009 و2010، حيث تضمنت مهامهما نسخ الوثائق، وجمع قطع الأثاث، والتخلص من النفايات، وفي إحدى المرات شراء وسادة لا تسبب الحساسية لمخرج الفيلم، دارين أرونوفسكي.
وفي عام 2011، تقدم غلات وفوتمان بشكوى أمام محكمة فيدرالية يدعيان فيها أن «فوكس سيرتش لايت» انتهكت قوانين الحد الأدنى للأجور، وسعيا للحصول على تعويض عن عملهما. وانضمت إليهما متدربة سابقة ثالثة لدى الشركة ذاتها، إيدن أنتاليك، سعيًا لاتخاذ إجراء قانوني جماعي. وعام 2013، أصدر القاضي ويليام إتش بولي، من محكمة الضاحية الفيدرالية، حكمًا يقضي بضرورة تصنيف غلات وفوتمان كموظفين، مشيرًا إلى ستة معايير حددتها وزارة العمل في هذا الشأن عام 2010.
وأوضحت المعايير الصادرة عن الوزارة أنه من أجل تصنيف عامل ما كمتدرب غير مدفوع الأجر، يجب أن تتوافر عدة شروط من بينها حصوله على تدريب يشبه التدريب الذي يحصل عليه داخل مؤسسة تعليمية، وأن يجري توفيره بهدف إفادة المتدرب وليس جهة العمل، وألا يجعل المتدرب يحل محل موظفين قائمين.
وأدى هذا الحكم لتدفق سيل من الدعاوى من متدربين ضد الشركات التي اضطلعوا فيها بأعمال من دون أجر. وتمكنت الكثير من المؤسسات الكبرى، مثل «إن بي سي يونيفرسال» و«فياكوم» من تسوية هذه الدعاوى من خلال دفع ملايين الدولارات، بدلا من الدخول في معارك قضائية طويلة.
ومع ذلك، نقضت محكمة الاستئناف حكم القاضي بولي، معللة ذلك بأنه استعان بمعيار غير صحيح في تحديد أي العاملين ينبغي تصنيفه كموظف وليس متدربا من دون أجر. وفي وثيقة بعث بها إلى لجنة مؤلفة من ثلاثة قضاة بمحكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الثانية، أوضح القاضي جون إم والكر أن المعايير الصادرة عن وزارة العمل عفا عليها الزمن وغير ملزمة داخل المحاكم الفيدرالية.
وأشار إلى أن السبيل المناسب لتحديد وضع عاملين هو تطبيق «اختبار المستفيد الرئيسي» - وهي فكرة اقترحتها «فوكس»، وتبعًا لها فإن العامل يمكن اعتباره موظفًا فقط إذا كان الموظف يستفيد بدرجة أكبر من علاقة العمل عن المتدرب.
وكتب القاضي والكر أنه وزملاءه القضاة في اللجنة «اتفقوا مع المدعين على أن التساؤل المناسب هو ما إذا كان المتدرب أو صاحب العمل هو المستفيد الرئيسي من العلاقة».
من ناحية أخرى، قال المتحدث الرسمي باسم «فوكس» في بيان له: «إننا سعيدون للغاية بحكم المحكمة، لكن الفائزين الحقيقيين هم الطلاب. لقد اعتزت (فوكس) دومًا ببرامجها التدريبية ولا تزال تعتقد أنها توفر فوائد هائلة للمشاركين بها».
وقد أعادت المحكمة القضية مجددًا إلى المحكمة الأدنى، التي قد تواجه طلبًا بإصدار حكم جديد، وسيتعين على المحكمة الأدنى حينها الاعتماد على المعيار الذي أقرته محكمة الاستئناف، وليس وزارة العمل.
من الناحية العملية، لا يزال من المحتمل خروج غلات وفوتمان منتصرين في هذه القضية، لأن أيًا منهما لم يلتحق بمؤسسة تعليمية وقت تدريبه. ومع ذلك، فإن الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف يزيد بدرجة كبيرة من صعوبة نجاح متدربين آخرين مستقبلا في كسب دعاوى تعويضات من الجهات التي سبق لهم العمل لديها.
من جهتها، علقت راشيل بين، المحامية التي تمثل غلات وفوتمان، بقولها: «على الجانب الإيجابي، من الواضح أن الحكومة كانت تركز على ضمان إمداد المتدربين ببرامج تدريب فاعلة، لكن قلقي يتركز على أن العناصر التي ذكرتها المحكمة منفصلة عن التفسير الواسع للفظ موظف الوارد بقانون المعايير العادلة للعمل»، وكذلك المعايير الواردة بحكم سبق أن صدر عن المحكمة العليا بهذا الشأن.
كما أن الحكم الأخير يقلل بدرجة كبيرة من احتمالات نجاح الدعوى الجماعية التي تسعى وراءها أنتاليك، ذلك أن اختبار ما إذا كان موظف يستفيد بدرجة أكبر من علاقة عمل عن جهة العمل من المحتمل بدرجة أكبر بكثير أن يجري تطبيقه على كل حالة على حدة، وليس بصورة جماعية.
وعلق غلات بقوله: «بدلا من الاعتماد على المعايير الواضحة الصادرة عن وزارة العمل، يترك الحكم الأخير التقدير على أساس كل قضية على حدة. وأصبح لزامًا على كل متدرب يشعر بأن هناك أمرا مثيرا للريبة أن يتقدم بدعوى قضائية ضده. وهذا عبء هائل للغاية، فلماذا نحمل أكثر الموظفين ضعفًا كل هذا العبء؟». يذكر أن غلات أنجز لتوه دراسته للقانون.
* خدمة «نيويورك تايمز»