د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الخليج: رد الاعتبار للقوى المدنية والليبرالية

تشهد دول الخليج العربية تصاعد وتيرة العنف والإرهاب حتى وصل الأمر إلى تفجير دور العبادة في كل من السعودية والكويت.. ولقد تم اكتشاف أسلحة ومتفجرات في إحدى مزارع العبدلي في الكويت مؤخرًا وتم القبض على بعض الأفراد المنتمين لحزب الله.
منذ بدء الإرهاب في الخليج لم تتوقف وتيرة التساؤلات ومحاولة معرفة الأسباب والدوافع التي أدت إلى تآمر بعض الشباب الخليجي ضد بلدانهم الآمنة والمستقرة والمزدهرة اقتصاديًا.
في الكويت الجميع يتساءل: نحن نعيش في دولة يحكمها دستور نظم السلطات وحدد الحقوق والواجبات للمواطنين وأقر مجلس الأمة القوانين التي يجب احترامها وتنفيذها.. إذن لماذا تعمد فئة قليلة من المواطنين إلى العمل لتقويض النظام وإرهاب الأهالي الآمنين؟
اليوم في الخليج الكل يحاول أن يبحث عن أسباب هذه التجاوزات الإجرامية؟ وكيف يمكن معالجة الإرهاب، وكيف يمكن ردعه والقضاء عليه.. ما الأسباب؟ هل هي مناهج التربية أم تطرف مشايخ الدين، أم هنالك خلل أمني، أم هنالك ضعف الوازع الديني والوطني والأخلاقي؟
لقد تعرضت القوى المدنية والليبرالية في الخليج للنقد والتجريح والتكفير من رجال الدين السنة والشيعة على حد سواء، حيث تم اتهامهم بالعلمانية والكفر فقط لأنهم طالبوا بإبعاد الدين عن السياسة وأصروا على أهمية احترام التعددية الدينية والفكرية ورفضوا الانتماءات الجانبية مثل الولاء للقبيلة أو الطائفة أو المنطقة بعيدًا عن الولاء الوطني.. لقد حذرت القوى المدنية والليبرالية من تحالف الحكومات مع الأحزاب الأصولية الإسلامية سواء أكانوا من جماعة الإخوان المسلمين أو من الحركات السلفية أو الأحزاب الشيعية.
والسبب الذي دفع الليبراليين لتبني هذه المواقف القانونية، هو رؤيتهم بأن من يكفر الناس بشكل مسبق لاعتبارات دينية أو طائفية يجب استبعاده من الساحة السياسية والاجتماعية، لكن بعض الحكومات الخليجية ولاعتبارات سياسية بحتة تهاونت وتحالفت مع جماعات الإسلام السياسي وتم توزير بعض الوزراء من السنة المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين أو الحركة السلفية كذلك تم توزير وزراء ينتمون لحزب الدعوة في الكويت.
ما أزعج القوى المدنية والليبرالية في الكويت ليس فقط ممارسات الحكومة وتحالفها مع الإسلام السياسي بل إصرار وتعمد الكثير من أعضاء مجلس الأمة الكويتي المنتخبين من الشعب على تعديل وتغيير الدستور الكويتي بحيث تصبح الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع بدلاً من القوانين الوضعية التي يقرها مجلس الأمة.. هذا يعني تقويض النظام المدني وتحويله إلى دولة دينية مصدرها الشريعة وليس مجلس الأمة.. لكن حكام الكويت بحكمتهم وعقلانيتهم رفضوا تغيير المادة الثانية من الدستور.
نواب مجلس الأمة ولاعتبارات سياسية بحتة وهي دغدغة مشاعر الجماهير الدينية شرعوا قوانين غير دستورية ورجعية متخلفة حيث فرضوا على الحكومة قانون منع الاختلاط في الجامعة حيث تم في عام 1996 سن قانون يمنع الاختلاط في الجامعة والمعاهد التطبيقية والجامعات الخاصة.. بعد مرور ثلاثين عامًا على التعليم المختلط حيث بدأ التعليم المختلط في الجامعة عام 1966 كنا نتصور مخطئين بأن الممارسة الديمقراطية للشعب سوف تجعله يختار الأفضل والأرشد لمقاعد البرلمان.. لكن واقع الحال أوصل بعض النواب الذين يمثلون القبائل والطوائف والعائلات والأحزاب الدينية.
تحالف حكومات خليجية مع جماعات الإسلام السياسي لفترة طويلة دفعت بهذه الحكومات للموافقة على مطالب جماعات الإسلام السياسي بإنشاء العشرات بل المئات من الجمعيات الخيرية والدعوية الإسلامية التي تجمع التبرعات والهبات من الناس الطيبين وتوزيع هذه الأموال والزكوات على جماعاتهم الإرهابية الحزبية في كل أرجاء المعمورة.
الآن.. وبعد سقوط «الفاس بالراس» تحاول حكومات الخليج وقف أنشطة هذه الجمعيات الخيرية بعد أن اكتشفوا متأخرين أن بعض هذه الأموال تذهب لتمويل الإرهاب للجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» و«حزب الله» اللبناني.
هل سترد حكومات الخليج الاعتبار للقوى الليبرالية والمدنية التي طالبت ولا تزال تطالب بإبعاد الدين عن الحياة العامة.
ما نحتاج إليه اليوم في الخليج هو تصحيح المسار والبداية بنقد الذات وتحديدًا نقد الداخل وكل القوى السياسية المتطرفة المعادية للآخر والرافضة للحضارة الغربية والتوجهات الإنسانية.
أزمة التطرف الديني من السنة والشيعة التي أخذت تظهر على السطح في الخليج تتطلب معالجتها عقليات مستنيرة وأفكارًا جديدة ترفض الأفكار القديمة وتطرح بدائل جديدة.
لكن يبقى السؤال كيف يأتي التغيير والتحرك نحو مجتمع مدني حديث إذا لم يكن التحرك نابعًا من الداخل وليس مفروضًا من الخارج؟ واقع الحال يقول لن يأتي التغيير من الداخل إلا إذا حصل رفض وعدم قبول لكل الأفكار المنغلقة في مجتمعنا والأوهام المسيطرة على الوعي الإسلامي. تغيير وتنوير مجتمعنا يتطلبان تغيير الثقافة الحالية الجامدة إلى ثقافة منفتحة وأكثر تنويرًا وسماحة واعتدالاً ووسطية وكلها موجودة في كتابات رجالات الدولة والدين المستنيرين والرافضين للجمود الفكري.